بدأت المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فمتى تبدأ المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والفلسطينيين بدلا من الصراع السياسي والأيديولوجي والمشاحنات المباشرة وغير المباشرة المستمرة بين الفتحاويين والسلطة من جهة و"حماس" من جهة أخرى؟! الصورة الواقعية في فلسطين هي أن هناك قطبين مختلفين وفي مرحلة أصبحا متناحرين وشعبا قويا صامدا وصابرا. يجب على السلطة و"حماس" وضع حد للخلاف والاختلاف والصراع الذي يعيشون فيه منذ سنوات فاستمرار هذا الخلاف لا يصب إلا في مصلحة إسرائيل العدو المشترك لجميع الفلسطينيين. ومن غير المنطقي أن تبدأ مفاوضات مباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين ويستمر الخلاف المباشر وغير المباشر بين الفلسطينيين أنفسهم! الحكم الأولي على هذه المفاوضات أنها فاشلة، يتفق على ذلك الفلسطينيون والإسرائيليون ورغم ذلك أصرت الولايات المتحدة على بدئها. وواضح أن المفاوض الفلسطيني ذهب إلى المفاوضات المباشرة في واشنطن تحت ضغط دولي قوي ولم يكن لديه القرار أو حتى الخيار فالمتطلبات الدولية ومصلحة الولايات المتحدة الأميركية هي التي جعلت المفاوضات تبدأ بهذا الشكل. والسؤال المهم والرئيسي هو هل ستنجح إدارة أوباما في انتزاع تنازلات من الطرفين لإنجاح المفاوضات؟ وتحت الضغوط التي مورست على الفلسطينيين كان من الواضح أنهم سيكونون الطرف الخاسر في هذه المفاوضات إذا ما استمرت بتلك الطريقة ولكن إصرار الفلسطينيين على موقفهم وربط استمرار المفاوضات باستمرار قرار التجميد قد يعطي شيئاً من الأمل. الفلسطينيون ذهبوا إلى المفاوضات المباشرة دون أن يخسروا أي شيء. فلماذا هذا الغضب من بدء هذه المفاوضات؟! فالذي يفترض أن يخسر في حال فشل هذه المفاوضات هو إسرائيل لأنها مطالبة بتحسين صورتها أمام العالم بعد فضائحها الأخيرة في حربها على غزة وبعد المجزرة التي ارتكبتها في حق أسطول الحرية. وإذا ما فشلت هذه المفاوضات سيتأكد العالم أن المشكلة هي إسرائيل وليس الفلسطينيون. فالفلسطينيون يذهبون إلى السلام والإسرائيليون هم الذين لا يريدون السلام أو أنهم مترددون فيه. المنعطف الحقيقي لهذه المفاوضات سيكون بعد أسبوعين، يوم 26 سبتمبر، فبعد هذا التاريخ ينتهي مفعول قرار التجميد المزعوم لبناء المستوطنات. فإذا تواصل التجميد فذلك يعني أن بعض الأمل يبقى موجوداً في هذه المفاوضات وإذا ما غيرت إسرائيل رأيها وخضعت الحكومة لضغوطات المتشددين لإيقاف التجميد فعلى المفاوضات السلام. وزير الدفاع الإسرائيلي غير مقتنع باستمرار تجميد بناء المستوطنات. أما وزير الخارجية ليبرمان فقال إنه سيمنع أي تمديد لقرار التجميد. كما أن هناك في إسرائيل من يريد تجميد بناء المستوطنات. لذا على الفلسطينيين الرافضين لهذه المفاوضات وحتى غيرهم من العرب أن ينتظروا حتى صباح يوم 27 سبتمبر، فإذا عاد الإسرائيليون واستمروا في بناء المستوطنات فلا معنى لاستمرار المفاوضات أما إذا توقف البناء فهذا يعني أن هناك جدية لدى إسرائيل للتفاوض وبالتالي ينتقل الفلسطينيون والإسرائيليون إلى البنود الأخرى التي يطالبون بها، فالجانب الفلسطيني مطالبه مشروعة وواقعية منذ البداية ولا يجب أن يقفز عليها الإسرائيليون وهم يدخلون المفاوضات، فما طلبته السلطة الفلسطينية من الإدارة الأميركية من ضمانات واضحة حول موقفها من مسائل الاستيطان والحدود والقدس وهدف المفاوضات وسقفها الزمني أمور أساسية لأية مفاوضات. وصحيح أن هذه المطالب يراها الإسرائيليون كبيرة وصعبة على الرغم من أنها أبسط الحقوق الفلسطينية إلا أنه بدونها سيكون من غير الممكن الاستمرار في التفاوض ولن ينال الفلسطينيون شيئاً مما يمكن أن يفاوضوا عليه. ومن الأسباب التي تجعلنا نعتقد أن هذه المفاوضات لن تأتي بأي حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، التركيبة السياسية الإسرائيلية الحالية فـ 54 بالمئة من أعضاء حزب "الليكود" يعارضون أي تجميد للاستيطان وهذا يعني أن أي قرار سيتخذه نتنياهو يتضمن تجميداً أو وقفاً للاستيطان سيؤدي إلى انقسام في الحزب الأمر الذي سيتبعه سقوط الحكومة الإسرائيلية. الغاضبون من هذه المفاوضات... غاضبون من كل محاولة للسلام وعلى الرغم من أننا جميعاً متفقون على أن هذه المفاوضات إذا ما جردت من المطالب الفلسطينية الرئيسية فإنها تعتبر ميتة إلا أن دخول الفلسطينيين هذه المفاوضات لن يخسرهم شيئاً إذا لم يربحوا شيئاً. رفضت 11 من فصائل المقاومة الفلسطينية المفاوضات المباشرة وغير المباشرة. والمعارضون يعتقدون أن هذه المفاوضات تهدف بشكل أساسي إلى "توفير غطاء لتصفية القضية وتهويد القدس وشطب حقوق اللاجئين بالعودة والاستمرار في الاستيطان"، وهذا استباق للأحداث ولا يمكن الاقتناع به. المفاوضات ليست الخيار الوحيد الذي يمتلكه الفلسطينيون من أجل قضيتهم، فخيار المقاومة باق ما لم ينجح هذا الخيار. فلماذا لا يعطى هذا الخيار الفرصة حتى يثبت عدم فائدته؟ كما أن الحديث عن تقديم تنازلات للإسرائيليين من قبل السلطة الفلسطينية أمر سابق لأوانه وإذا ما حدث ذلك فليكن للمقاومة رأيها وموقفها، فلا أحد يقبل أن يتم أي تنازل في هذه القضية.