أقرت الولايات المتحدة الأميركية والأجهزة الدستورية فيها بحق الجالية المسلمة في بناء مسجد لها في المنطقة التي شهدت أحداث 11 سبتمبر 2001. ودعم هذا الحق الرئيس الأميركي أوباما وعمدة مدينة نيويورك. ووقف مع هذا الرأي الكثير من الأميركيين من أصحاب الرأي المعتدل، معتبرين أن حرية الأديان مكفولة لكل شخص، وبالتالي يكون للمسلمين الحق في بناء مسجدهم في المكان الذي يختارونه، ويحق لهم أن يمارسوا طقوسهم الدينية كما يشاؤون دون تدخل من الحكومة. البعض وجد في هذا الموقف الأميركي حسابات لها علاقة بالانتخابات النصفية للكونجرس، وأن كل واحد من المؤيدين أو المعارضين وظف القضية لكسب أصوات ناخبيه، أي أنها قضية داخلية. قضية بناء "مسجد جراوند زيرو" أسفرت عن ارتفاع نسبة حالة العداء ضد المسلمين من 40 في المئة قبله إلى 70 في المئة خلال شهر، وهذا دليل على رفض المجتمع الغربي "المتسامح" للدين الإسلامي، بل وصل الأمر إلى حدوث حالات اعتداء ضد المسلمين الأميركيين، فقط لكونهم مسلمين. وسجلت مدونات المتشددين الأميركيين من غير المسلمين حالات دخول قياسية من الرأي العام؛ ما يعني أن مؤشر حالة العداء ضد المسلمين في تصاعد نتيجة لرفض الرأي العام الأميركي بناء المسجد، معتبرين أن في ذلك اعتداءً على مشاعر أقارب ضحايا 11 سبتمبر الذي تصادف ذكراه التاسعة يوم السبت القادم، حيث من المتوقع تكثيف الحملة ضد بناء المسجد بطرق عدة، ومنها حرق المصحف الشريف في هذا اليوم، وتسيير مسيرات بتحريض من المتشددين ضد الإسلام. ما أريد قوله إن أصحاب الرأي الرزين والمعتدل من الأميركيين العقلاء امتلكوا الشجاعة والجرأة السياسية وأعلنوا موقفهم صراحة بشأن الحق الدستوري للمسلمين، ولم يمارسوا العناد والتشدد ضد بناء المسجد، وربما هذا أحد أسباب عدم إثارة الرأي العام الإسلامي. لكن في الطرف المقابل تلاعب المتشددون الأميركيون سياسياً ودينياً بذلك الرأي واستغلوا "المكان والزمان" لجعل هذا اليوم مناسبة ضد الإسلام. وهم يعملون الآن لجعل هذا التاريخ وهذا المكان مناسبة للكراهية ضد المسلمين، أو هكذا تشير تفاصيل سير الأحداث هناك، بل إن تمسك المسلمين ببناء المسجد قد يكون سبباً في زرع الأحقاد والفتن على المدى البعيد، بسبب ما يمكن أن يتركه من آثار نفسية بمجرد مرور الناس بالقرب من "مسجد جراوند زيرو"؛ لذا أعتقد أنه من الخطأ الإصرار على بناء هذا المسجد في هذا المكان تحديداً، بل الأفضل الابتعاد عن مناقشة الأمر باعتباره حقاً دستورياً وسياسياً، لكن من الأصلح للمسلمين داخل الولايات المتحدة وخارجها التركيز على الدلالات الإيجابية التي يمكن الحصول عليها، فيما لو تنازلوا عن حقهم الدستوري انطلاقاً من تقدير الموقف بعقلانية ومنطق؛ لأنه سيكون سلوكاً استثنائياً يحسب للعقيدة الصحيحة للإسلام، التي أساء إليها البعض. قد يكون هذا الموقف هو الأصعب بالنسبة للمسلمين، لكنه الموقف الأقوى لأنه سيفوت الفرصة على المتشددين في الجانبين الإسلامي وغيره، فالتسامح في يوم الحادي عشر من سبتمبر، من واقع التنازل عن حق دستوري، أمر إيجابي بحسابات الربح والخسارة فهو يمثل قيمة دعائية كبيرة نحن نحتاجها لتصحيح صورة الإسلام. إذا كنا نسعى لاستمالة الرأي العام العالمي والتعريف بحقيقة الإسلام، فلن يكون الوقت ولا المكان مناسبين. وأعتقد أن أفضل طريقة هي الإعلان عن التسامح مع الآخرين، وذلك بالتنازل عن حق دستوري أقرته بلادهم ومسؤولوهم، وهو بناء المسجد.