تخيل العدو في أحد الماراثونات، ولكن على ارتفاع جبال الهمالايا، ارتفاع يجعلك تشعر كما لو أنك تعدو برئة واحدة؛ ثم تخيل المواصلة وإتمام أربعة ماراثونات أخرى. الواقع أن ذلك بالضبط هو ما حققه الانجليزي "مارك كوكبين" في أواخر يوليو الماضي عندما أصبح العداء الأول والوحيد الذي ينهي "الألترا ماراثون" في مدينة "ليه" الهندية في زمن قدره: 48 ساعة و50 دقيقة ليقطع 138 ميلاً (222 كيلومترا). خلال هذا الماراثون غير العادي، كاد يُقضى عليه جراء انهيار ثلجي صغير أثناء مروره بممر جبلي على ارتفاع 17700 قدم (5395 مترا). ثم دخل وادياً حيث الحرارة مرتفعة جداً، ثم صعد قمة جبل أخرى متجمدة. وتعليقاً على هذا الموضوع يقول "كوكبين": "عندما وصلتُ إلى قمة الجبل الثاني، كنت أعاني فعلًا. كنت أرى الأشياء مزدوجة. ولم أكن أستطيع التنفس بشكل عادي"، مضيفاً "لقد كنت أنحرف إلى اليمين على ما يبدو" - في اتجاه حافة الهاوية – "أمر غير جيد لأنه طريق طويل إلى الأسفل". سواء تعلق الأمر بأول من يقود قارب كاياك حول الدائرة القطبية أو يُنهي ماراثونا طويلاً ليس كبقية الماراثونات، أصبح المكتشفون اليوم يضغطون على حدود القدرة البشرية. وفي هذا السياق، يقول إيريك بريمر، الباحث في الرياضات الخطرة بجامعة كوينزلاند للتكنولوجيا في أستراليا: "ينبغي ألا نسمي هذه الأمور مخاطرة، بل ينبغي أن نسميها عادية، وأن نسمي المجتمع "البحث عن السلامة"، مضيفاً "أعتقد أن الكثير من الأمور التي تحدث في المجتمع هي سلبية لأننا لا نعيش فعلًا ما نحن قادرون على عيشه". "الألترا مارثون" - الذي يشمل حسب تعريفه أي سباق يتجاوز طوله 62.2 ميل (100 كيلومتر) -اكتسب شعبية متزايد في الآونة الأخيرة. فالعام الماضي، على سبيل المثال، أتم المتسابقون 36106 ألترا ماراثونا من هذا النوع في أميركا الشمالية، مقارنة مع 30789 في 2008، حسبما أفادت مجلة ألترا-رانينج". وفي هذا الإطار، يقول برايون باول الذي يدير موقع (iRunFar.com): "تتعلق المسألة في جزء منها بدمقرطة الماراثون. عندما يصبح الماراثون مملًا ورتيباً، يبدأ الناس في الانتقال إلى 50 كيلومترا أو 50 ميلاً؛ وهم يتمتعون كثيرا بالتحدي". والواقع أن ماراثون "العالي" صعب وقاس حتى بمعايير الألترا ماراثون؛ حيث يجري السباق بالكامل فوق ارتفاع 11 ألف قدم (3352 مترا). ويصعد ويهبط عبر اثنين من أعلى الممرات الجبلية في العالم – "خاردونج لا" و"تانجلانج لا" – على الطريق بين ليه ومانالي. ويصفه المنظمون بأنه الألترا ماراثون الأعلى من نوعه على الإطلاق. غير أن ثلاثة عدائين فقط تسنى إقناعهم بالمشاركة هم: كوكبين والأميركيان بيل آندروز ومولي شريدان. وعلى الرغم من أنهم قضوا بضعة أسابيع في المنطقة من أجل التأقلم مع المناخ والبيئة هناك، فإن الارتفاع قهرهم مع ذلك. وتقول مولي شريدان وهي تركض عبر "خاردونج لا" بعد حوالي 40 ميلا (64 كيلومترا) على السباق في اليوم الثاني: "إنك تشعر كما لو كنت على القمر؛ إنك تعدو بالعرض البطيء". وقد سبق لشريدان أن أنهت 35 ألترا مارثونا. وقد بدأت بالماراثونات، ولكن "السرعة ليست هي ما أتميز به، فتساءلتُ إلى أي حد أستطيع أن أذهب". وقد فاجأت نفسَها عندما أنهت سباقا بطول 31 ميلا (50 كيلومترا) - وهكذا انتقلت إلى مسافة أطول، فأطول. وتقول شريدان: "عندما تضغط على نفسك إلى هذا الحد – وأنا دائما أفعل ذلك بحذر – أفكر في أن ثمة الكثير الذي تجنيه من ذلك... ومعظمه قوة ذهنية. أعتقدُ أن الشخص العادي يستطيع أن يجري المسافة ذاتها إذا ما تدرب كما ينبغي". تنظر "شريدان" بسرعة إلى المشهد تحتها: حقول صغيرة خضراء متناثرة مثل الزمرد عبر الجبال القاحلة البنية الفاتحة. المشهد وجهاز "الآيبود" الذي تحمله - المحمَّل بأغان انتقتها لها بنتاها ـ يحثانها على الاستمرار في الجري. ولكنها بينما كانت تركض مبتسمة، لم تشر إلى شيء مما حدث في اليوم السابق عندما اضطرت و"آندروز" إلى التوقف عن الجري في ذلك اليوم. فقد التقى منسقُ الجري والمختص في الطب الرياضي "راجات تشوهان" بـ"شريدان" و"آندروز" لدى عودتهما إلى السباق في اليوم الثاني للجري عبر "ليه". وكانا مصممين على بلوغ النهاية قبل انتهاء الـ72 ساعة المخصصة للسباق. وبعد فحصهما، وجد الطبيب "تشوهان" أنهما في حالة جيدة بما يكفي للاستمرار. ولكن ما إن ابتعدا حتى اعترف قائلاً: "أعتقد أن شخصاً واحداً فقط سيُنهي هذا السباق". وبعد بضعة أميال، انسحب "آندروز" من السباق بسبب مرض لا علاقة له بالماراثون. وفي غضون ذلك، اقتربت "شريدان" من علامة الـ100 ميل (161 كيلومترا)، وعليها حروق بسبب الشمس. وعندما أخبرها تشوهان بما حل "بآندروز"، قررت الانسحاب من شدة قلقها على صديقها. ولكنهما ينويان العودة وإنهاء السباق في عام آخر. وبالعودة إلى "خاردونج لا"، واصل "كوكبين"، بعد 41 ساعة من الجري المتواصل، طريقه إلى القمة المتجمدة لـ"تانجلانج لا"، ثم جرى نصف ماراثون آخر إلى خط النهاية. وقال كوكبين: "قدماك توجعانك ولكنك تقول في نفسك "يجب ألا أركز على ذلك"... ويتحول الأمر إلى معركة بين الذهن والجسد – ولكن الذهن يفوز دائما". بن أرنولدي- الهند ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"