أعلن الرئيس الأميركي أوباما في القمة الخماسية انطلاق المفاوضات المباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين في الثاني من سبتمبر بعد أن توقفت منذ نهاية عام 2008 إثر الهجوم الإسرائيلي على غزة وسط أجواء عامة من الإحباط وتدني التوقعات السياسية من نتائج المفاوضات عكستها التصريحات الصحافية والتحليلات الإخبارية وكذلك في استطلاعات الرأي للشارع العربي، وقد طرح برنامج "نقطة حوار" الذي تبثه هيئة الإذاعة البريطانية استطلاعاً وحواراً حول: ما الذي يمكن أن تحققه المفاوضات المباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين؟ هل يمكن أن تسفر عن قيام دولة فلسطينية؟ وما هو البديل لو أخفقت هذه المفاوضات؟ وقد جاءت معظم الإجابات تتحدث عن "عبثية المفاوضات" و"سلام التنازلات" وأن "الصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو صراع وجود وليس صراع حدود". وعكست أخرى الانقسام الفلسطيني- الفلسطيني، ولكن بشكل عام كان التشاؤم سيد الموقف في هذا الحوار. إنها إذن محادثات سلام وسط شعور عام بالإحباط، فما هي احتمالات التقدم وتغيير الوضع على الأرض، هل ستغير الحكومة الإسرائيلية اليمينية بقيادة نتنياهو من موقفها من القضايا الخلافية الكبرى كالأمن والحدود واللاجئين وسينطلق المسار على أساس التفاهمات التي تم التوصل إليها سابقاً بين باراك وعرفات وعباس وأولمرت؟ وهل يستطيع عباس اليوم أن يوحد الصف الفلسطيني بإنجاز تاريخي؟ واقعيّاً لإسرائيل مصلحة في انطلاق المفاوضات المباشرة، فنتنياهو يعاني من تداعيات الحرب على غزة واستمرار حصارها والهجوم على أسطول الحرية. وسيواجه نتنياهو بأول اختبار للمفاوضات بتاريخ 26 سبتمبر، وهو تاريخ انتهاء فترة تجميد الاستيطان التي امتدت لعشرة أشهر، فهل سيمدد التجميد أم سيفجر المفاوضات في بداية انطلاقها؟ من جانبها حكومة نتنياهو تقول إنها لن تمدد المهلة وتجميد الاستيطان في هذه الحالة من شأنه تهديد ائتلاف حكومة نتنياهو، بينما يقول الفلسطينيون إنهم في هذه الحالة سيوقفون المفاوضات المباشرة. ومن الواضح أن هناك تفاهمات تمت حول هذه النقطة وإن لم يتم الإعلان عنها حتى الآن فيصعب تصور أن تبدأ المفاوضات بتاريخ محدد ثم تواجه بعقبة تاريخ انتهاء التجميد. وسواء كان استمرار التجميد بقرار رسمي إسرائيلي أو بقرار غير رسمي، أي تجميداً عمليّاً، فإن واشنطن وأطراف عملية السلام ستعمل على تخطي عقبة الـ26 من سبتمبر بترتيبات تكفل استمرار المفاوضات لا تجميد الاستيطان فعليّاً. وسواء كانت تفاهمات أو تنازلات فإنها ستكون موشراً فعليّاً على الموقف الاسرائيلي من المفاوضات وعملية السلام برمتها، وستشكل كذلك اختباراً للراعي الرسمي للمفاوضات. ويعاني الجانب الفلسطيني من انقسام واضح بين السلطة الفلسطينية وحركة "حماس" وحركة "الجهاد الإسلامي"، فكان رد حركة "حماس" على بدء المفاوضات صاخباً بتبنيها لحادثي إطلاق نار في الضفة الغربية أسفر أحدهما عن مقتل أربعة إسرائيليين، وتوعدت بمواصلة العمليات ضد إسرائيل في الضفة الغربية، وقالت إن فشل المفاوضات أمر محتوم فيما ترفض الحركة تمثيل الرئيس للشعب الفلسطيني و"بالتالي فأي نتائج للمفاوضات لن تكون ملزمة للشعب الفلسطيني". حقيقة إن الوقائع على الأرض لا تعطي مجالا للتفاؤل بإمكانية التوصل إلى حل نهائي أو صفقة نهائية من شأنها أن تؤدي إلى اتفاق سلام شامل، ولكن هناك مكاناً لتفاؤل حذر على الأقل نحو اتفاق انتقالي، ولكن بداية، استمرار المفاوضات تعني تخطي عقبة تجميد الاستيطان، فإن كانت حكومة نتنياهو جادة في سعيها للسلام ستعمل على استمرار تجميد الاستيطان وبشكل رسمي وهذا من شأنه أن يعطي دفعة للسلطة الفلسطينية لتجادل معارضيها بأن إسرائيل جادة في سعيها للسلام.