إخواني الأميركيين أود أن أقول لكم بدايةً أنني خبير ولست رئيساً. لكن نظراً لأن اللحظة الحالية هي لحظة إجراء جردة حساب للحرب في العراق، فإني أريد تذكيركم بأنني كنت من ضمن من ساهموا في تضخيم النتيجة النهائية لها. فقد أيدت الحرب عام 2003، لأني كنت أعتقد أن صدام حسين كانت لديه أسلحة دمار شامل، وكنت أعتقد أيضاً، ومعي "كن بولاك" عضو مجلس الأمن القومي للرئيس الأسبق كلينتون، الذي أحدث كتابه "العاصفة المهددة: الحجة الداعية لغزو العراق"، ضجة كبيرة في حينه... أن حصول صدام حسين على سلاح نووي أمر حتمي وغير مقبول في آن. ولم يكن ذلك يقتصر عليَّ وعلى "بولاك"، بل الحقيقة هي أن أجهزة الاستخبارات الأميركية، والألمانية، والإسرائيلية، كانت تعتقد نفس الشيء. ورغم أني كنت أرى حينئذ أن مخاطر اللاعمل تفوق مخاطر العمل ضد العراق ، فإني عندما أعيد تصفح مقالاتي السابقة، وبعد مرور ثماني سنوات كاملة، يبدو لي ما كتبته فيها حينذاك معقولا وجدياً، باستثناء شيء واحد بالطبع، وهو أن الفرضية الرئيسية التي بُنيت عليها كانت خاطئة. فلو عرفت مقدماً أن صدام لم تكن لديه أسلحة دمار شامل، لما أيدت الحرب. ولست أرى ما يراه كثيرون من أن بوش ضلل الأمة الأميركية بشأن الحقائق، لأن هناك جهات أخرى كثيرة تبنت نفس الرأي بشأن قدرات صدام حسين. ولقد ظللت في حالة صراع مع النفس، وأود هنا أن أذكر بما كان يقوله "بوب روبن" عندما كان في قلب الأحداث أيام كلينتون، حول "المنطق الاحتمالي"، والذي يقصد به أن كل شخص يفعل ما بوسعه لتحديد الاحتمالات الصعبة التي سيواجهها، والنتائج المترتبة على قراراته، ثم يقوم بعد ذلك باتخاذ القرار على النحو الأمثل. والاستنتاج الذي كان يخرج به من ذلك المنطق، هو أنه لا يصح قيام المرء بتقييم نوعية القرار الذي اتخذه بعد الحدث نفسه، وبعد أن تكون الكثير من الأمور قد تكشفت، وإنما يجب تقييمه بناء على المعلومات المتاحة لحظة اتخاذه. كان ذلك يبدو لي منطقياً، لكني لم أعد أومن به الآن. قد لا يكون ذلك عدلا، لكن الحقيقة التي يعرفها القادة السياسيون هي أن نوعية القرار، بمعنى درجة جودته، في كل أمر من الأمور ذات الأهمية، تتوقف على نتيجته. وهذا ما يدعو البعض للقول إنه خير لك أن تكون محظوظاً من أن تكون ذكياً. إن التاريخ لا يتيح الفرصة لمن اتخذ قراراً خاطئاً أن يعيد الكرّة مرة أخرى. لو كان التاريخ يسمح بذلك لكان الذين اتخذوا قرار غزو العراق، قد قرروا مواصلة نهج الاحتواء الذي كان مطبقاً ضد نظام صدام حسين، مع تسريع وتيرته، وكذلك مواصلة نظام العقوبات، وإجراء التفتيشات الأممية، واستمرار فرض "منطقة حظر الطيران". والشيء الذي يبدو غريباً إلى درجة سريالية هو أن البعض قد اعتقد في وقت ما قبل الغزو أن الاستمرار في حظر الطيران سيكون "مكلفا"، وذلك قبل أن نضيع ثلاثة تريليونات دولار على الحرب هناك. إن صدام حسين كان سيموت يوماً ما، بالشيخوخة أو الاغتيال، وكانت ستعقب موته معركة دموية على خلافته. ومن الممكن أن يقوم صدام حينئذ بكل ما هو سيئ وشرير، لكن الولايات المتحدة، مهما بلغت إمكانياتها، ليست قادرة على استئصال كل الشرور في هذا العالم. وشر صدام حسين ما كان يجب أن يكون سبباً للحرب، تماماً مثلما أن محنة النساء الأفغانيات لا يجب أن تكون سبباً للاستمرار في نشر 150 ألف جندي، وإنفاق عدد لا يحصى من مليارات الدولارات، لمطاردة ما تقول "سي. آي. إيه" إنه نحو 80 من أعضاء" القاعدة". إن قرار غزو العراق يخطر على بالي الآن باعتباره قراراً سيئاً لم يكن أمام الولايات المتحدة بعد أن اتخذته سوى تحقيق أفضل ما يمكن تحقيقه من ورائه. وقد حدث هذا على نحو ما حيث أبلت قواتنا بلاء حسناً، أما كون هذه القوات قد خُدمت بشكل جيد من زعمائها السياسيين أو خبرائها السياسيين، أم لا، فهذا موضوع آخر. ومن ناحيتي فقد تلقيت درساً لا ينسى، درسا جعلني أقل ثقة في أحكامي بشأن الشؤون الخارجية. فالسياسيون نادراً ما يعترفون بأنهم على خطأ، لكن يمكن مع ذلك إخضاعهم للمساءلة. أما الخبراء فيواصلون الثرثرة رغم كل شيء! أتمنى حدوث الأفضل، بنفس الروح التي حض الرئيس عليها يوم الثلاثاء، رغم حقيقة أنه لا يستطيع الاعتراف بأنه عارض في حينه زيادة عدد القوات الذي وفر الفرصة لإنهاء المهمة القتالية في العراق على نحو أفضل... لكني مع المطربة المعروفة "شير" التي لا تزال أغنيتها الشهيرة التي أذابت فيها قلبها تتردد في لاس فيجاس: "آه لو كنت أستطيع إعادة الزمن للوراء". أشكركم جميعا... وليحفظ الله طبقة أميركا الثرثارة التي لا يحاسبها أحد على ما تثرثر به! مات ميلر زميل رئيسي في مركز أميركان بروجرس ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست"