مع انطلاق المفاوضات في مبنى وزارة الخارجية الأميركية يوم الخميس الماضي، استطاع نتنياهو أن يفجر الانفعال والتأثر في وجدان وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، فلم تستطع النطق مع انتهاء كلماته واكتفت بالإشارة إلى الرئيس عباس ليلقي كلمته. كان المشهد شديد الدلالة على المسرح الدولي لإخفاء حقيقة شخصيته كرجل مؤدلج، أي صاحب عقيدة أيديولوجية اسمها "أرض إسرائيل الكاملة"، وهي تعني في الحد الأقصى التهام الضفة باعتبارها (يهودا والسامرة) وتعني في الحد الأدنى التهام قسم كبير منها. ألعاب نتنياهو البهلوانية قديمة خبرناها منذ فترة حكمه الأولى في عهد الرئيس كلينتون الذي كان يتأثر بها هو الآخر مثل زوجته، بالنبرة المسرحية التي يستخدمها نتنياهو عندما يتحدث مثلما فعل يوم الخميس، عن أن الخلاف بين اسماعيل الأب الأعلى للعرب وبين اسحاق الأب الأعلى لبني إسرائيل كأخوين، لم يحل بينهما وبين الاجتماع معاً في مهمة نبيلة وهي دفن والدهما إبراهيم في الخليل عندما وافته المنية. لم ينس نتنياهو الديباجة اللازمة بإطلاق صيحة السلام باللغات الثلاث العبرية والعربية والإنجليزية، ليسيطر على أسماع هيلاري كلينتون ومشاعرها باعتباره رجلاً راغباً في السلام ومستعدا للتنازلات المؤلمة في سبيله. في لب الكلمة حدد نتنياهو أولوياته بأمرين، الأول الاعتراف الفلسطيني الكامل بإسرائيل كدولة قومية لليهود، والثاني تحقيق الأمن لإسرائيل والذي بدونه لن ينجح السلام. ولقد سرب الوفد المرافق له إلى صحيفة "هآرتس" أن مطالبه من الرئيس عباس في جولة المفاوضات الأولى تلخصت في هذين الطلبين المذكورين بالإضافة إلى الامتناع عن إثارة مسألة تجميد الاستيطان وتحديد جدول أعمال الجولة التالية على هذا الأساس وإجراء المفاوضات بين الزعيمين مباشرة. معنى هذا أن ستار الرومانسية الذي نصبه نتنياهو كفخ للمشاعر له وظيفة تفاوضية، وهي إخفاء مواقف متشددة يصعب على عباس قبولها خشية من ردود الفعل الداخلية. إن عباس قد تردد في الكلمة العلنية على مطلب الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية بمطالبة نتنياهو بالعودة إلى قراءة إعلان الاتفاق المتبادل بين منظمة التحرير الفلسطينية ودولة إسرائيل، والذي وقع عليه الزعيمان عرفات ورابين قائلاً إن فيه الدلالة على الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل. معنى قول عباس إن هناك محاذير في اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل كدولة يهودية، أولها الخوف على مستقبل عرب 1948، والثاني الخوف من تأويل هذا الاعتراف باعتباره اعترفاً بالصهيونية ومشروعها الذي أطلقه هرتزل في بازل عام 1897، وبالتالي تأويله على أنه اعتذار عربي عن تاريخ الصراع مع الصهيونية والرفض لها. من ناحية ثانية طالب عباس بتطبيق الشرعية الدولية في الحل المطلوب، وهو ما يعني انسحاب إسرائيل الكامل من الضفة والقدس الشرقية في إطار مبدأ عدم جواز الاستيلاء على الأرض بطريق القوة. أضافت لنا صحيفة "هآرتس" أن عباس طلب في الجلسة الثنائية المغلقة الانسحاب إلى حدود 4 يونيو 1967 واستئناف المفاوضات من النقطة التي توقفت عندها مع أولمرت، وتجميد الاستيطان. إن الفجوة واسعة كما نرى في الموقفين وهو ما يرجح عندي، سيناريو إجراء المفاوضات في تباطؤ لا ينتهي إلى شيء لإعطاء الانطباع بوجود مفاوضات ترضي إدارة أوباما والطرفين المتفاوضين دون أن يترتب عليها خسائر داخلية لأي طرف منهما تبدو غير محتملة.