من أروع المشاهد في رمضان التحام الناس وتعاضدهم وتوجههم نحو ربهم، فمن منَّ الله تعالى عليه بالعمرة في رمضان يلتقي بكل أطياف المجتمع بل بممثلين عن الإسلام من كل أرجاء المعمورة. جاء هؤلاء من كل حدب ينسلون يعبدون رباً واحداً يرفعون من شأنهم بالسجود ويطهرون أنفسهم بالصيام، ويراجعون أفكارهم بتلاوة القرآن. ومن لم يرزق الزيارة، فقد رأى الملاحظة نفسها في المساجد التي يتزاحم الناس عليها في رمضان لنفس الأسباب. ومنهم من يقضي ليله في صلاة ودعاء يرجو رحمة ربه ويخاف عذابه. لو فحصت أحوال الناس قبل رمضان لرأيت اختلافاً كبيراً بينهم في كل ما سبق، ولكن لعل أهم ما يجعلهم مختلفين توجهاتهم الفكرية. الإسلام دين معجز لأنه جاء لكل البشر في الكرة الأرضية، لذلك فقد أقر الإسلام بسماحته مبادئ عامة لابد أن يلتزم بها المسلم أينما كان، وترك بقية الأمور يجتهد فيها الناس حسب موقعهم من الإعراب على كوكب الأرض. في الحديث، إن رجلاً جاء يسأل الرسول عليه الصلاة والسلام عن الإسلام، وقد ربط ناقته خارج المسجد، فعلمه الرسول أركان الإيمان المعروفة، ثم أرشده إلى أركان الإسلام، وهي الشهادتين وإيقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت إنْ استطاع إليه سبيلاً، علق ذلك الأعرابي على ما قاله الرسول عليه الصلاة والسلام بقوله أغير ذلك يارسول الله، قال: لا . فقال الصحابي فوالله لا أزيد على ذلك ولا أنقص ثم أخذ ناقته وانصرف، فقال صلى الله عليه وسلم هو من أهل الجنة إنْ صدق. هذا الحديث فيه معان كثيرة لكنه يلخص لنا الإسلام الذي يحاول البعض أن يعقده، فمن التزم بأركان الإيمان وشعائر الإسلام التعبدية، فهو من أهل القبلة الذين يرجون رحمة الله. ومن إعجاز الإسلام في هذا الميدان أنه يراعي الفروق الفردية والمراحل العمرية التي يمر بها الإنسان فعندما يأتي شاب يسأل الرسول عليه الصلاة والسلام عن أفضل ما يدخله الجنة يقول له الرسول إن يلتمس الجهاد، وعندما يسأله من شاخ في الإسلام يجبه بقوله لايزال لسانك رطباً من ذكر الله، ويلخص ما سبق قوله تعالى "ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا، فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات". فهذه الأصناف الثلاثة الذين أشارت إليهم الآية كلهم عباد الله لكنهم على ثلاثة أصناف الظالم لنفسه والمقتصد المتسابق للخير، هل هناك إعجاز ومراعاة لظروف البشر أروع من ذلك وكلهم مسلمون. ومن عجائب الإسلام في هذا الميدان التي لا تنتهي حرية التفكير، فقد زود الله تعالى الإنسان بعقل جبار، وطلب منه الاجتهاد في أمور الدنيا لعمارتها، وكلما درب الإنسان عقله كلما تقرب إلى الله تعالى "إنما يخشى الله من عباده العلماء". العقل البشري متى ما التزم بالقواعد الكلية لهذا الدين، فمن حقه الاجتهاد والإبداع وتوليد الأفكار بشرط أن لا تقود هذه الأفكار إلى صراع بين الناس يقودهم إلى تصنيف المسلمين إلى أحزاب متفاوته ثم يتحول هذا التفاوت إلى صراع واقتتال، ما دون ذلك الفكر نور يقود الإنسان إلى فهم أفضل لدينه لأن الدين لايورث، بل يؤخذ قناعة شخصية لكل إنسان لأن الله تعالى سائل كل فرد عن دينه وما يؤمن به.