من المؤسف أن مفاوضات السلام الفلسطينية الإسرائيلية التي بدأت هذا الأسبوع يشارك فيها رئيس وزراء إسرائيلي سبق أن أعلن عدم رغبته في التوصل لحل منصف يقوم على مبدأ الدولتين. فقبل تسع سنوات، سُجل لنتنياهو خلسة في مستوطنة عوفرا بالضفة الغربية وهو يعبِّر عن رأيه في اتفاقات أوسلو، وقال: "لقد سألوني قبل الانتخابات حول ما إن كنت سأطبق (الاتفاقات) فقلتُ إنني سأفعل، لكن... سأقوم بتأويلها على نحو يسمح لي بوضع حد لهذا التقدم إلى حدود 1967". والنتيجة حسب نتنياهو "أنني أضع نهاية فعلية لأوسلو". والواقع أن هذا النوع من الخطاب ينسجم مع أفعال نتنياهو عندما كان رئيساً للوزراء في أواخر التسعينيات؛ حيث قام، عندما تحداه حينها الرئيس السابق كلينتون من أجل تحقيق السلام، بقلب مفاوضات أوسلو عبر استغلال كل ثغرة يمكن العثور عليها. لم يدخل المفاوضات بحسن نية حينها، مثلما أنه لا يدخلها بحسن نية اليوم؛ وإذا استطاع أن يحرف المفاوضات عن سكتها، فسيفعل. والأكيد أن وزيرة الخارجية الأميركية تعرف ماضيه. لكني لست الوحيد الذي ينتابه التشاؤم. بل إن معظم الفلسطينيين كذلك. على أن الشباب بصفة خاصة تعرضوا للخيانة، حيث نشأ جيل من الفلسطينيين بكامله وهو يرى المفاوضات تفشل، والاحتلال يتعمق. ومن أجل النجاح هذه المرة، يتعين على المجتمع الدولي، والولايات المتحدة خاصة، الضغط على نتنياهو. والحال أن أوباما، ورغم البداية الجيدة لولايته الرئاسية، فإنه أمضى الأشهر القليلة الماضية في الامتثال لمطالب اليمين الإسرائيلي، حيث يشير خطابه وأفعاله الأخيرة إلى أنه يفتقر إلى الشجاعة للوقوف في وجه نتنياهو. ثم إنه في حال قام على نحو غير متوقع بتحدي رئيس الوزراء الإسرائيلي حول المستوطنات، مثلما فعل في بداية رئاسته، فسيتعرض للانتقاد من قبل أعضاء الكونجرس الذين لا يتسامحون مع معارضة السياسة الإسرائيلية. لكن الأرجح أن تنهار المفاوضات المباشرة، حيث كتب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس رسالة إلى أوباما يقول فيها إن استئناف النشاط الاستيطاني سيحكم على هذه المفاوضات بالفشل. وكان عباس واضحا إذ قال: "إذا استأنفت إسرائيل الأنشطة الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية، بما فيها القدس الشرقية، فإننا لا يمكن أن نستمر في المفاوضات". وعلاوة على ذلك، فإن الجناح اليميني لنتنياهو مازال يؤكد تصميمه على العودة إلى احتلال الضفة الغربية؛ حيث أعلن وزير البنى التحتية أوزي لاندو تأييده لاستئناف البناء الاستيطاني بعد تعليق مؤقت هذا الشهر، وقال "إن الجميع سيبني مثلما يريد ويحتاج". وبالتالي فما لم يقف نتنياهو في وجه قاعدته ويمدد تعليق النشاط الاستيطاني، فإن المفاوضات المباشرة ستتوقف. وعلى افتراض فشل المفاوضات، فإن نتنياهو سيلقي بالمسؤولية على عناد المفاوضين الفلسطينيين أو الخطاب الفلسطيني أو المقاومة الفلسطينية العنيفة لعقود من محاولات الإخضاع والقهر. وسيفوز هو وموقفه التوسعي على المدى القصير. لكن ماذا سيحدث غداً عندما تمتلئ الضفة الغربية والقدس الشرقية بالمستوطنات لدرجة أنه لن يجرأ أي زعيم إسرائيلي على إخراج المستوطنين من المستوطنات غير القانونية؟ عندئذ ستندم إسرائيل على اليوم الذي ضيعت فيه الفرصة للتفاوض حول حل الدولتين، لأن هذه الإمكانية لن تظل متاحة للأبد. ومن أجل مفاوضات ناجحة، يجب على الزعماء الإسرائيليين الابتعاد عن استراتيجية "فرق تسد"، وأن يعاملوا الفلسطينيين، في إسرائيل والأراضي المحتلة، على قدم المساواة. أما المفاوضات التي تفصل الضفة الغربية عن القدس الشرقية، فستفشل. وكذلك الحال بالنسبة للمفاوضات التي تفصل الصفة الغربية عن قطاع غزة. وأخيراً، ليس ثمة مفاوض فلسطيني سيذعن للمطلب الإسرائيلي الذي قُدم مؤخراً فقط، والمتمثل في الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية حصرياً. فهذا مطلب غير معقول، لأنه يقتضي أن يُنزل المفاوضون الفلسطينيون أكثر من مليون مواطن فلسطيني لإسرائيل إلى مرتبة أدنى، علماً بأن ثمة أصلا أكثر من 30 قانوناً في إسرائيل تميز ضد الفلسطينيين. ولا يمكن أن يتوقع أحد من عباس الموافقة على شيء مجحف مثل هذا، لأنه بذلك لن يكون قد وضع مواطني إسرائيل الفلسطينيين في مكانة مواطنة من الدرجة الثانية فحسب، وإنما سيسلب أيضاً حق العودة من اللاجئين الفلسطينيين الذين يحلمون بالعودة إلى منازل ومزارع سُرقت منهم قبل 62 عاماً. إن الطريق الوحيد للخروج من المأزق هو أن يعترف اليهود بالفلسطينيين كأشخاص مثلهم، ويتفاوضوا معهم على ذلك الأساس. ويتطلب حل الدولتين إلغاء كل القوانين التي تضع اليهود في مرتبة أعلى من الفلسطينيين، في إسرائيل والأراضي المحتلة. وهذه نقطة مازال يتعين على الولايات المتحدة أن تفهمها، رغم ديماغوجية بعض سياسييها الذين يسعون حالياً لرفع الحقوق الدينية المسيحية واليهودية فوق تلك التي ينالها الأميركيون المسلمون. إن تساوي الحقوق أمام القانون، سواء في الولايات المتحدة أو إسرائيل أو الأراضي المحتلة، يمثل مفهوماً هاماً وينبغي أن يكون في صدارة المفاوضات الحالية. والواقع أن أوباما يمثل اختياراً أميركياً رائعاً لإيصال الرسالة إلى "ديمقراطية" إسرائيلية تأخرت عقوداً عن تطبيق المساواة القانونية الأساسية. أحمد الطيبي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عضو عربي في البرلمان الإسرائيلي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم سي تي إنترناشيونال"