"انخراط مدني" في الساحة العراقية...وعقوبات جديدة ضد كوريا الشمالية نهاية العمليات القتالية في العراق...ماذا تعني؟ وكيف يمكن تفعيل المساعدات الأميركية والدولية لباكستان؟ وماذا عن العقوبات التي فرضها أوباما على كوريا الشمالية؟ تساؤلات نجيب عليها ضمن إطلالة سريعة على الصحافة الأميركية. الانخراط المدني تحت عنوان "العراق: الماضي والحاضر والمستقبل"، نشرت "لوس أنجلوس تايمز" يوم الأربعاء الماضي افتتاحية، استنتجت خلالها أنه على الرغم من إعلان أوباما نهاية العمليات القتالية في العراق، فإن المهمة الأميركية هناك لا تزال بعيدة عن النهاية. وحسب الصحيفة، انتهى الاحتلال الأميركي للعراق، فالرئيس الأميركي قال:” نحن قمنا بمسؤولياتنا، والآن حان الوقت لطي الصفحة... وفي بغداد انتهز المالكي المناسبة، وأعلن سيادة العراق واستقلاله بعد 7سنوات ونصف من الغزو الأميركي. لكن نهاية العمليات القتالية لا يعني أن أميركا انتصرت في الحرب، أو أن الانخراط الأميركي في العراق قد انتهى، فلا يزال 50 ألف جندي أميركي هناك حتى عام 2011، من أجل تقديم المشورة لقوات الجيش والشرطة العراقيين. وفي الوقت الذي ينسحب فيه الجيش الأميركي، يكثف الدبلوماسيون الأميركيون عملهم ويوسعون نطاق تواجدهم داخل العراق، حيث تم افتتاح قنصليتين في البصرة وأربيل، وسيحتاج العراق مزيداً من العون الاقتصادي الأميركي، وباختصار، حولت واشنطن اهتمامها من العمل العسكري، إلى الانخراط المدني. لدى الولايات المتحدة مصلحة استراتيجية في عراق مستقر وصديق لواشنطن، وهذا هو المنطق ذاته الذي تنتهجه الولايات المتحدة مع مصر وإسرائيل وتركيا، كما أن حربي العراق وأفغانستان أضعفتا القدرة على كبح النفوذ الإيراني في المنطقة... الآن يتعين على الولايات المتحدة العمل بجد من لجعل بغداد حليفة لها، ومواجهة النفوذ الإيراني في بلاد الرافدين، والتأكد من أن تنظيم "القاعدة" لم يوسع نطاق انتشاره لدى الغالبية السُنية مرة ثانية. التحديات التي يتعين على العراق مواجهتها، هائلة، فلا يزال خطر النزاعات العرقية الدامية بين الشيعة والسُنة والأكراد قائماً، أي إنه لم ينته برحيل القوات الأميركية. والبرلمان العراقي لا يزال عاجزاً، وغير قادر على تشكيل حكومة جديدة، منذ الانتخابات التي جرت مارس الماضي. صحيح أنه في مرحلة ما بعد الاحتلال، لا تستطيع إدارة أوباما السيطرة على العراق، لكن من مصلحة واشنطن الوساطة بين الفصائل العراقية، وتشجيع المصالحة بدلاً من العودة إلى الحرب الأهلية. ..هذا هو مفتاح السلام الإقليمي، وأمر مهم للاقتصاد العالمي الذي يحتاج نفط العراق والأسواق المزدهرة في الشرق الأوسط. الصحيفة نوهت إلى أن "كولن باول" حذر الرئيس بوش الابن عام 2002 من عواقب العمل العسكري ضد العراق، استناداً إلى منطق مفاده " أنت دمرته...لذا أصبحت تمتلكه"...فأميركا لم تمتلك العراق، لكنها لا تزال تحمل مسؤولية إصلاحه، وهذا يعني بالنسبة لواشنطن انخراط متواصل ومكلف. مصلحة أميركية تحت عنوان "الإغاثة من الفيضانات الباكستانية من مصلحة أميركا الاستراتيجية" ...أشارت "واشنطن بوست" في افتتاحيتها ليوم الأربعاء الماضي، إلى أن هذه الفيضانات شردت 20 مليون باكستاني وأغرقت قرابة خمس الأراضي الباكستانية، ما يعني أن قائمة المتضررين ستزداد طولاً...هذا في حد ذاته يوفر سبباً للولايات المتحدة، كي تكون سخية في تعاملها مع هذه الكارثة. غير أن الجانب الإنساني أو "المصلحة الإنسانية" طفت على السطح لتعكس محورية باكستان بالنسبة للأمن القومي الأميركي. وحسب الصحيفة، يتعين على إدارة أوباما اغتنام الفرصة، وتعميق وتوسيع إلتزامها تجاه إسلام آباد، كي لا تصبح هذه الأخيرة، مصدر تفريخ للإرهاب. الحكومة الباكستانية تُعد شريكاً "معقداً"، سواء في محاربة "القاعدة" أو "طالبان" أو في توصيل المساعدات الأجنبية على الباكستانيين، كما أن ثقة الناس في المسؤولين الحكوميين- الذين لم يظهروا بكثافة في الأماكن الباكستانية المنكوبة، لا تزال منخفضة، وليس ثمة مفاجئة في كون بعض المانحين الدوليين يتراجعون عن دعم باكستان في وقت الأزمات، بسبب سمعة تشير إلى عدم كفاءة، أو الفساد. التحدي الآن الذي يتعين على إدارة أوباما، وحكومات أخرى مواجهته، يتمثل في تدشين آلية جديدة، تشبه تلك التي تم تفعيلها مع هاييتي بغرض إعادة إعمارها بعد الدمار الذي طالها بسبب زلزال يناير الماضي، آلية من شأنها ضمان أكبر قدر ممكن من الشفافية والنزاهة، وإذا تحقق ذلك، فإن الحكومة الباكستانية وحلفاءها الدوليين بما فيهم الولايات المتحدة، ستحظى بمكانة مرموقة خاصة في أعين شعب متشكك، أما البديل- في حال عدم تطبيق هذه الآلية- فهو الفوضى ومحاولة المجموعات الإسلامية المتطرفة، ملء الفراغ... عقوبات على بيونج يانج في افتتاحيتها ليوم الثلاثاء الماضي، سلطت "كريستيان ساينس مونيتور" الضوء على أجواء التوتر في شبه الجزيرة الكورية. الصحيفة ترى أن العقوبات الاقتصادية الصارمة التي فرضها أوباما على كوريا الشمالية خطوة تنطوي على مجازفة، لكنها تعكس استراتيجية أميركية جديدة، تتمثل في التصدي للنفوذ الصيني المتنامي في آسيا. شبه الجزيرة الكورية تعيش منذ عام 1953حالة اللاسلم واللاحرب، حيث انتهت الحرب الكورية بعد هدنة مزعزعة، وفي مارس الماضي، تغيرت الأمور، عندما أغرقت بيونج يانج سفينة حربية كورية جنوبية، ما أودى بحياة 46 بحاراً، في عملية عسكرية هي الأكبر منذ نهاية الحرب الكورية. يوم الاثنين الماضي، أطلق أوباما عقوبات اقتصادية صارمة، تطال فاعلين رئيسيين ومؤسسات مهمة في كوريا الشمالية، وذلك في إطار السعي إلى إنهاء برنامج الأسلحة النووية الكوري الشمالي، ومنع بيونج يانج من تصدير مواد نووية إلى دول أخرى. إنها استجابة غير معتادة من الرئيس الأميركي، الذي يركز على إعادة بناء الاقتصاد، لكن يبدو أن أوباما أُجبر على التحرك. فكوريا الشمالية بصواريخها وترسانتها النووية، ليست مصدر تهديد للمنطقة والعالم، فقط، بل هي حليف أساسي للصين- البلد الذي لم يطلق حتى مجرد إدانة، أواعتراف بأن كوريا الشمالية، هي التي أغرقت السفينة الكورية الجنوبية، وذلك رغم وجود دليل واضح على تورط بيونج يانج. الصحيفة تقول إن العقوبات الجديدة موجهة لبكين مثلما هي موجهة لكيم يونج إيل...وقد تكون العقوبات الجديدة على كوريا الشمالية جزءا من استراتيجية أشمل للتصدي للنفوذ الصيني المتنامي سواء الاقتصادي والبحري في القارة الآسيوية. فهل تصبح شبه الجزيرة الكورية ثانية ساحة للحرب بالوكالة بين واشنطن وبكين، مثلما كانت إبان الحرب الباردة ميداناً لحروب الوكالة بين أميركا والاتحاد السوفييتي.وثمة أيام عصيبة في بيونج يانج، لأن الزعيم الكوري الشمالي مريض، ويتوق لتنصيب ابنه الأصغر "كيم يونج أون" خلفاً له في اجتماع "حزب العمال الكوريين" المقرر عقده الشهر الجاري، كما أن هذا البلد يعاني من ضائقة اقتصادية جراء، الفيضانات التي تعرض لها خلال الآونة الأخيرة، إضافة إلى فقدان الكثيرين لمدخراتهم بعد تخفيض قيمة العملة إلى مستويات كارثية. الصين- حسب الصحيفة- تريد استقراراً في كوريا الشمالية، بدلاً من كوريا موحدة تقترب من خلالها القوات الأميركية من الحدود الصينية، وبكين الآن تحاول تخفيف التوتر الراهن من خلال دفع "كيم" نحو استئناف المفاوضات السداسية المعنية بحل أزمة بيونج يانج النووية (التي تضم اليابان وكوريا الجنوبية وروسيا)، لكن واشنطن لا تريد استئناف المفاوضات إلا بعد ما تعلن بيونج يانج إنهاء برنامجها النووي... العقوبات الأميركية تهدف إلى حرمات "كيم" والنخبة المحيطة به من التعامل مع بنوك ومؤسسات أعمال معظمها في الصين- التي تزود كوريا الشمالية بالعملة الصعبة- ما يُبقي نظام بيونج يانج في السلطة، ويجعله قادراً على تمويل البرنامج النووي، هذه العقوبات وسيلة لجعل "كيم" يتخلى عن برنامجه النووي. إعداد: طه حسيب