هذا الكتاب "جرائم ضد الحرية: اتهامات للرئيس باراك أوباما" قصد من نشره في هذا التوقيت، استباق الانتخابات النصفية للكونجرس الأميركي المتوقعة في شهر نوفمبر المقبل. ولما كان مؤلفه هو ديفيد ليمبو -شقيق المحافظ المتطرف المعروف رش ليمبو- فإنه يصب في خانة حملة الثأر السياسي التي يعد لها "الجمهوريون" والمحافظون للنيل من خصومهم "الديمقراطيين" في نوفمبر. ولعل إلقاء لمحة سريعة إلى عنوان الكتاب يكفي للكشف عن مضمونه الرئيسي. ذلك أن الحملة المباشرة التي يقودها الحزب "الجمهوري"، وكذلك المنابر الأخرى الموالية له، والتي تعمل تحت مظلته الأوسع -مثل حركة حفلات الشاي وغيرها- تخوض جميعها حملة ثأر منسقة لا تتورع عن استخدام جميع الأساليب والوسائل الممكنة ضد الخصوم. ومن بين هذه الأساليب صناعة الأساطير وتصويرها كما لو كانت واقعاً وحقائق لا يطالها الشك، بقصد التأثير على وعي الناخبين وتوجيه سلوكياتهم عند توجههم إلى صناديق الاقتراع. ويستهل المؤلف حملته الإعلامية المعادية لأوباما بقوله: تمثل الحرية حقاً ثابتاً بين الحقوق الأساسية للأميركيين التي منحها إياهم الرب، وتتمتع بحماية دستورية وتلتزم بها جميع الحكومات. ولكن يبدو أن أوباما لا يشاطر الأميركيين هذه القناعة. فالبنسبة إليه تمثل الحرية عنصراً مهدداً لصلاحيات الحكومة وسلطاتها المطلقة، ما يعني ضرورة الحد منها بقدر المستطاع. ولما كان أوباما قد خرج عن إجماع أمته، فقد وجب اتهامه بتعرية مواطنيه من حقوقهم وحرياتهم الفردية والسيادية على حد سواء. ومثلما يحدث في مرافعات المحاكم تماماً، يسوق "ليمبو" الاتهام إثر الآخر ضد أوباما، محاولاً في كل مرة تقديم الدليل والبرهان على كل اتهام يثيره. وتكاد تشمل الاتهامات هذه، جميع السياسات الداخلية والخارجية التي اتبعتها إدارة أوباما خلال العامين الماضيين من عمرها القصير. فهي تمتد من اتهام الرئيس باستغلال ظروف الأزمة المالية الاقتصادية لتحقيق مكاسب سياسية تخصه وحزبه، إلى التضييق على حريات الأميركيين بفرضه نظاماً جديداً "اشتراكيّاً" للرعاية الصحية، مروراً بسياساته "الخضراء" المدمرة للاستثمار والاقتصاد القومي - وهي أجندة شيوعية فاشية في نظر الكاتب- وصولاً إلى دبلوماسية المهادنة ومكافأة خصوم أميركا المتربصين بها في كل من كوريا الشمالية ومنطقة الشرق الأوسط. كما تشمل قائمة الاتهامات كذلك تفريط إدارة أوباما في حماية الأمن القومي وتفكيك مؤسساته الأساسية التي يعتمد عليها. يذكر أن الاتهامات التي يثيرها الكاتب ضد أوباما، تبدو للمفارقة أقرب إلى الإدانة منها إلى الاتهام بحسب اللفظ المستخدم في عنوان الكتاب. فكلمة Indictment تختلف كثيراً من حيث المعنى الدلالي في لغة القانون عن مرادفتها Accusation. وهذا ما قصد الكاتب تأكيده. وحسب ديفيد ليمبو، فهل هذا هو التغيير والأمل اللذان صوّت الناخبون لصالحهما في نوفمبر من عام 2008؟ لنذكر هنا قبل أن نمضي في سرد قائمة الاتهامات التي يثيرها الكاتب بحق أوباما، أن شعار السباق الرئاسي الانتخابي للمتهم كان هو "حملة التغيير والأمل". وتشمل الاتهامات: تبني نهج اشتراكي شيوعي في إصلاح نظام الرعاية الصحية، مع العلم أن أساس الاشتراكية -كما يفهمها ليمبو- هو سلب حرية الفرد ومصادرة حقه في اختيار نوع الرعاية الصحية التي يريدها لنفسه، وليس ما تفرضه عليه الحكومة الفيدرالية. ثم سياسة الحفز الاقتصادي التي ساهمت في توسيع جهاز الدولة وصلاحياته وسيطرته التامة على الاقتصاد القومي، ما يفتح الطريق واسعاً أمام تحويل أميركا إلى دولة اشتراكية شبيهة بالاتحاد السوفييتي ودول أوروبا الشرقية التابعة له سابقاً. وهنا أيضاً يوجه الاتهام الرئيسي لأوباما بأنه يعمل سرّاً على تنفيذ مؤامرة يسارية كبرى تستهدف قيم الرأسمالية والملكية الخاصة التي تمثل العمود الفقري لنظامها الديمقراطي الحر. وينسجم مع هذه الاتهامات ويترتب عليها بالضرورة، رمي أوباما بتهمة انتهاك الدستور الأميركي، الذي لم يضم نصوصاً تخوّل الرئيس الإنفاق الفيدرالي الضخم على المؤسسات المالية، ولا فرض ضرائب إضافية على الأغنياء، ولا سلب حرية الأفراد في اختيار النظم التعليمية والصحية التي يريدونها لأنفسهم، كما يقول الكاتب. أما على صعيد السياسات الخارجية والعمل الدبلوماسي، فقد تراجع دور أميركا العالمي كثيراً واهتزت هيبتها في نظر العالم في ظل الإدارة الجديدة، بسبب انكسارها أمام الأعداء ومداهنتهم والتزلف إليهم بدلاً من مواجهتهم بالحزم اللازم. والمقصود بصفة الأعداء هذه، مجموعة من الدول تشمل كوريا الشمالية وعدداً من الدول الشرق أوسطية. وبلغة الرسائل الإعلامية الانتخابية القصيرة يقول لسان حال الكاتب للناخبين: إياكم والتصويت لصالح أوباما ومؤامرة حزبه "الديمقراطي" في نوفمبر المقبل. فهذه هي الرسالة الأساسية التي صمم ونشر من أجلها الكتاب في هذا التوقيت بالذات. عبد الجبار عبد الله الكتاب: جرائم ضد الحرية: اتهامات للرئيس باراك أوباما المؤلف: ديفيد ليمبو الناشر: ريجنسي للطباعة والنشر تاريخ النشر: 2010