توصل تقرير نشر يوم الاثنين الماضي إلى حاجة "المجلس الحكومي المشترك للتغير المناخي" إلى تغيير عاجل لسياساته الإدارية، بما فيها توفير المزيد من الشفافية في عمله، بحيث يصبح كل شيء واضحاً تماماً كما لو كان المجلس يعمل في بيوت زجاجية كاشفة. ويجدر بالتذكير أن هذا المجلس كان قد أنشئ منذ 22 عاماً بهدف التصدي لمشكلة الاحترار العالمي. وقال التقرير إن الشفافية المطلوبة تشمل تطبيق قواعد أكثر حزماً لتنظيم تضارب المصالح، وضمان تمثيل أوسع للآراء المخالفة بين علماء المناخ. ويجب أن تشمل الإجراءات تحديد عدد معين من الدراسات والتقارير العلمية التي يمكن للعلماء والباحثين أداء أدوار رئيسية فيها، وذلك لضمان التوزيع العادل للأدوار الرئيسية بين الباحثين والعلماء. هذا وقد صدر التقرير المذكور من قبل لجنة مراجعة ضمت 12 خبيراً من 10 دول، تم اختيارهم بواسطة "المجلس الأكاديمي المشترك" وهو مؤسسة أبحاث متخصصة تضم عضويتها 15 أكاديمية للعلوم والبحوث في الدول المتقدمة والنامية. وكانت لجنة المراجعة التي تشكلت في شهر مايو المنصرم بطلب من الأمين العام للأمم المتحدة، "بان كي مون"، ورئيس المجلس الحكومي المشترك للتغير المناخي "راجندرا باشوري" لم تضطلع بإجراء الدراسات المتعلقة بالتغير المناخي نفسها. وبدلاً من أداء هذا، تركز جهد المجلس على دراسة القضايا الإدارية التي أثيرت وتسببت في خلافات واسعة بين العلماء بعد أن أصدر "المجلس الحكومي المشترك للتغير المناخي" سلسلة تقاريره عن الاحترار العالمي في عام 2007. وقد برزت معظم هذه الخلافات خلال الشهور العشرة الماضية. كما كشفت بعض الرسائل الإلكترونية المتسربة من جامعة "إيست أنجليا" أن هناك علماء مناخ متنفذين يتعمدون إغلاق المنافذ أمام جميع الباحثين والمحللين الذين حاولوا الوصول إلى البيانات العلمية ومناهج البحث التي استخدموها في أبحاثهم وتقاريرهم. ويقول المنتقدون إن تلك الرسائل تعتبر دليلاً على زيف النتائج التي توصل إليها العلماء المعنيون. وبالإضافة إلى ذلك لاحظ المتشككون في ظاهرة الاحترار العالمي بعض العيوب والأخطاء في التقارير الصادرة من المجلس في عام 2007، بما فيها استنتاجٌ تنبأ بإمكانية فقدان جبال الهملايا لغطائها الجليدي بحلول عام 2035. وفي إطار الرد على ما توصلت إليه لجنة المراجعة من استنتاجات، دافع الدكتور "باشوري" عن علم التغير المناخي بحد ذاته، مشيراً إلى إجراء سبعة تحقيقات في مزاعم تتعلق بتزوير البيانات المناخية وغيرها من إساءة الاستخدام العلمي الناشئة عن الرسائل الإلكترونية المتسربة من جامعة إيست أنجليا. وقال الدكتور المذكور إن جميع التحقيقات التي أجريت، أكدت صحة علم التغير المناخي وأهميته. ولكن ما لا ريب فيه هو أن الثقة بمجلس التغير المناخي قد اهتزت كثيراً جراء هذه الخلافات والشكوك والاتهامات المثارة ضد بعض العلماء والمؤسسات الأكاديمية العاملة في المجال. ذلك هو ما قاله "هارولد شابيرو" رئيس لجنة المراجعة، وهو اقتصادي وأستاذ فخري بجامعة برينستون. ويرى أعضاء المجلس -كما يقول- أن من شأن التوصيات التي توصلت إليها لجنة المراجعة أن تستعيد الثقة مجدداً بمجلس التغير المناخي. ومن بين التوصيات الـ22 التي رفعتها، طالبت لجنة المراجعة بضرورة تبني سياسات لتضارب المصالح على أن تشمل كل باحث مشارك على نحو مباشر في إعداد التقارير والدراسات العلمية عن التغير المناخي. كما تضمنت التوصيات، الحد من صلاحيات ودور رئيس المجلس وعدد آخر من كبار أعضائه، على أن تقتصر أدوارهم على الإشراف على مجموعة واحدة فحسب من التقارير الدورية عن التغير المناخي، ليتم استبدالهم بعد ذلك بعدد آخر من العلماء.. وهكذا. وطالبت التوصيات بتبني قدر أكبر من الشفافية وإعطاء الفرصة للمناقشة الوافية لتقارير المجلس من قبل الباحثين والعلماء المتشككين أو من ذوي الآراء المخالفة لتلك التقارير من أعضاء المجلس، خاصة تلك الآراء المغايرة بشأن أبحاث التغير المناخي ومناهج ووسائل البحث العلمي المستخدمة فيها. كما طالبت لجنة المراجعة في تقريرها بضرورة أن تتضمن تقارير المجلس المناخي تفاصيل أوفى وأكثر وضوحاً للشكوك العلمية المحيطة بتقارير المجلس، لاسيما في التقارير الملخصة التي يرفعها المجلس عادة إلى صانعي السياسات والقرارات بشأن التغير المناخي. وعلى حد قول "روجر بيلكي" -اختصاصي السياسات العلمية بجامعة كلورادو في بودلر- فإن تقرير لجنة المراجعة في مجموعه يعد ضربة قوية للمجلس المناخي. ذلك أنه لم يكن من نوع التقارير التي تحمل انتقادات جزئية ملطفة للعيوب والأخطاء التي تصدر من بعض الهيئات والمؤسسات، على نحو ما توقع المحللون والمعلقون. ومن رأي "بيلكي" أنه وفيما لو أخذ بجميع التوصيات الواردة في تقرير لجنة المراجعة - وليس التعامل الانتقائي معها- فإن من شأن ذلك أن يمثل اللحظة التي يدخل منها علم التغير المناخي للتو عبر بوابة القرن الحادي والعشرين، طالما أن بدايات القرن شهدت اهتماماً ملحوظاً بأهمية الاستشارة العلمية في صنع السياسات والقرارات، بما فيها السياسات الاقتصادية الاستثمارية طبعاً. ويتعين الآن أن تأتي الخطوة التالية من مجموعة حكومات الدول الـ194 التي تشكل مجلس المناخ. وستكون الفرصة الأولى التي تناقش فيها الدول الأعضاء تقرير لجنة المراجعة وتوصياتها - وربما تبدأ باتخاذ خطوات عملية نحوها- في جلسة الجمعية العامة التي تعقد في بوسان بكوريا الجنوبية في شهر أكتوبر المقبل. بيت إن. سبوتس كاتب أميركي متخصص في الشؤون العلمية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"