اقتصرت التداعيات السلبية لـ"الأزمة المالية العالمية" على القطاع المصرفي في دولة الإمارات على مجرد تراجع قيم الإيرادات ومن ثم الأرباح، أو تحقيق خسائر محدودة أمكن للمصارف التعايش معها دون تعثُّر لتنجو من ويلات الانهيار والإفلاس، التي عانتها النظم المصرفية في الاقتصادات المتقدمة، خاصة في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، التي ما زالت تشهد حالات إفلاس جديدة بين المصارف والمؤسسات المالية. وإن كان جزء من نجاح المصارف العاملة في دولة الإمارات في تخطي أسوأ مراحل الأزمة يعود إلى السياسات التي تتبعها هذه المصارف، فإن النصيب الأكبر من هذا النجاح يعود إلى السلطات النقدية الإماراتية متمثّلة في "المصرف المركزي"، الذي لم يوفر جهداً في دعم هذه المصارف، حيث إنه خصّص نحو 120 مليار درهم كميزانية احتياطية وضعها تحت طلب هذه المصارف، وأتاح لها إمكانية الحصول على جزء من هذه الميزانية لدعم موقفها المالي في مواجهة أزمة السيولة، هذا بجانب تعهده بضمان ودائع العملاء لدى المصارف، كما أنه أعاد النظر في بعض نظم العمل لضمان عدم تعرّض المصارف للأزمات المالية في المستقبل، من خلال معالجته القضايا الأكثر إلحاحاً، كقضية الديون المتعثّرة. وبالرغم من اقتصار تداعيات "الأزمة المالية العالمية" على المصارف العاملة في الدولة على مجرد تراجع حجم الأرباح أو بعض الخسائر المحدودة فإنها سعت إلى تعويض هذا التراجع أو الخسائر من خلال زيادة الرسوم التي تفرضها على عملائها مقابل الحصول على الخدمات التي تقدمها، سواءً من خلال زيادة معدلات الرسوم الحالية أو فرض رسوم جديدة على خدمات كانت تُقدم مجاناً في السابق، وهو ما أثار حفيظة معظم عملاء المصارف، حيث أوضحت نتائج المسح الذي قامت به "جريدة الخليج" مؤخراً أن 64% من عملاء المصارف يرون أن زيادة الرسوم المصرفية مرتفعة ومبالغ فيها. وبالرغم من أن العديد من المصارف قد برّرت قيامها برفع رسومها المصرفية بأنها تسعى إلى تطوير الخدمات المقدّمة إلا أن نحو 58% من العملاء الذين تم استطلاع آرائهم في المسح المذكور يرون أن الخدمات المصرفية التي يحصلون عليها بقيت كما هي دون تحسّن بالرغم من رفع الرسوم التي تدفع في مقابلها. جدير بالذكر أنه إن كانت السياسة المصرفية المتحفّظة التي اتبعتها المصارف العاملة في الإمارات قبل "الأزمة المالية" وفي أثنائها هي سياسة مطلوبة، بالرغم من أنها دفعت المصارف إلى تقليص حجم أعمالها وأنشطتها الرئيسية التي عادة ما تمثّل المصدر الرئيسي للإيرادات والأرباح، خاصة القروض، فإنه ليس هناك مبرّر بأن تقوم المصارف بتعويض تراجع الإيرادات والأرباح من خلال زيادة رسومها المصرفية، وفي مثل هذه الظروف قد يكون من الضرورة بمكان العمل على وضع آلية فعالة لتحديد الرسوم المصرفية بشكل يتناسب مع طبيعة كل خدمة على حدة، وأن تقنن الزيادات المفروضة على هذه الرسوم، بما يتناسب مع مستوى التطوير الذي يدخله كل مصرف أو مؤسسة مصرفية على الخدمات التي يتمّ تقديمها. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية