ما هو أهم من الابتهالات التي أعلنها الزعيم الروحي لحركة "شاس" الإسرائيلية الحاخام عوفاديا يوسف إلى "الرب" بأن يبتلي الفلسطينيين بوباء يقضي عليهم، وقوله قبل أيّام: «ليهلك أعداؤنا ومبغضونا... أبو مازن وكل هؤلاء الأشرار ... ليغربوا من العالم، ولينزل الباري عز وجل الطاعون بهم، وبالفلسطينيين الأشرار أعداء إسرائيل». ما هو أهم منها متابعة كيف وصل يوسف لتبني هذا الخطاب بعد أن كان في الماضي يعد معتدلا وبعيداً إلى حد ما عن السياسة! لقد أسهم موقف "شاس" في إسقاط حكومة حزب "كاديما" عام 2008. وكان السبب الرئيسي للخلاف بين الحزبين، حينها، رفض الحكومة توفير الدعم المالي لمدارس ومؤسسات "شاس" لكن الموقف من القدس كان القضية التي ادّعت الحركة أمام الناخب الإسرائيلي أنّها سبب الخلاف الأول. وكان الحزب قد هدد عام 2007 بترك الائتلاف الحكومي إذا قامت إسرائيل بترك "جبل الهيكل" أو إذا ما تم تقسيم المدينة، أو سمحت الحكومة بتأسيس دولة فلسطينية في الضفة الغربية. وهذا الموقف مختلف عن موقف الحركة عام 2000 عندما أعلن الرئيس الأميركي حينذاك بيل كلينتون أفكاره لعملية السلام. إذ رفضت الحركة حينها تبني موقف واضح على رغم مناشدة اليمين الإسرائيلي بما في ذلك عدد من الحاخامات البارزين قيادة الحزب معارضة تلك الأفكار، وأعربت قيادات الحزب وقتها علناً عن عدم اكتراثها بموضوع السيادة. وقبل ذلك كان الحاخام يوسف قد أيد اتفاقيات السلام بين مصر وإسرائيل في السبعينيات وأيد مبدأ الأرض مقابل السلام. وعلى العكس من ذلك قام إلي يشاي رئيس الحزب، وزير الداخلية في الحكومة الحالية، برعاية خطوات إعلان إنشاء 1600 وحدة استيطانية في القدس، في مارس الفائت، بالتزامن مع زيارة نائب الرئيس الأميركي "بايدن" لإسرائيل، مما أثار غضب واشنطن. وفي حديث لراديو الجيش الإسرائيلي قال يشاي "أشكر الله أني منحت فرصة أن أكون الوزير الذي يقر بناء آلاف الوحدات السكنية في القدس"، واتهم "يشاي" اليسار الإسرائيلي، بأنه يهدف إلى أن تصبح في القدس شريحة يهودية صغيرة، بدون القدس الشرقية والأحياء العربية، وأن يتم تقليص وجود الأرثوذكس الأصوليين فيها. تاريخيّاً كانت "شاس" جزءاً من المجتمع اليهودي الأرثوذكسي الأصولي غير المهتم كثيراً بالقضية السياسية، بل كان تركيزه على قضايا مثل العلاقات بين الرجل والمرأة، والملابس، والطعام الحلال، والحصول على دعم حكومي مالي للتعليم الديني. لتحولات "شاس" أسباب متعددة، أحدها أنّ عمليات انتفاضة الأقصى استهدفت عدداً من المدارس الدينية القريبة من الحركة. ولكن الأهم أنّ المستوطنات، حيث يتركز وجود اليمين الإسرائيلي المتدين، باتت خزّان جمهورهم الذي يتنافسون عليه مع أحزاب دينية وعلمانية أخرى. أضف إلى ذلك أنّ الحركة تستخدم الموضوع القومي لمحاربة أعدائها العلمانيين الذين يريدون وقف المساعدات الحكومية للقوى الأصولية. إذ وبحسب بحث لـ "مركز دراسات القدس"، القريب من اليسار، أعد عام 2005 فإنّه بينما يمارس 91 في المئة من قوة العمل في تل أبيب (العلمانية) العمل فعلا، فإنّ 32 في المئة فقط من قوة العمل في القدس (حيث يتركز الأصوليون) تعمل فعلا. وهذه إشارة جلية لوضع اليهود المتدينين الأصوليين "الحرديم" وموقفهم من التعليم والعمل. وبحسب ذات المعهد فإنّ الحرديم يدفعون جزءاً واحداً من سبعة مما يدفعه باقي اليهود من ضرائب. أهم ما تكشفه تصريحات يوسف فهو تعمّق التطرف القومي لدى اليهود الأرثوذكس، الذين كانوا بعيدين عن الصهيونية، وقليلي الاكتراث بالعملية السلمية وحتى الاستيطان، إلى وقت قريب، وإن كان سبب ذلك هو الاستقطاب والتوازنات الداخلية الإسرائيلية. Summary محمود