في غضون أيام قليلة ارتفعت أسعار القمح في الأسواق العالمية بنسبة كبيرة بلغت 42 في المئة، مما استدعى الدعوة لاجتماع 500 خبير في العاصمة الروسية موسكو لمناقشة مشكلة الحبوب التي يواجهها العالم، والتي تسببت فيها التغيرات المناخية من فيضانات في باكستان والصين إلى حرائق في روسيا والبرتغال. وتزامناً مع هذه التغيرات اشتغلت ماكينات المضاربات في أسواق السلع بأقصى طاقتها، التي أدت إلى ارتفاع أسعار القمح والأرز وغيرهما من السلع الغذائية، حيث أشارت بعض التقارير إلى اضطرار روسيا لاستيراد القمح بعد عشرات السنين من كونها ثالث أكبر مصدر عالمي لهذه السلعة الغذائية المهمة، وذلك على رغم نفي روسيا لذلك وتأكيدها على اكتفائها الذاتي طوال العام الجاري 2010. وما يلفت النظر في هذه القضية هو إعلان بعض بلدان العالم وقف تصدير الحبوب وبالتالي إمكانية تعرض بلدان أخرى كمصر وتركيا، اللتين تعتبران أكبر دولتين مستوردتين للقمح في العالم، لأزمات غذائية، أو البحث عن بدائل لمصادر الاستيراد وبأسعار مرتفعة. يحدث هذا النقص في بلدين يتمتعان بمصادر مياه هائلة وبأراضٍ زراعية شاسعة لم تستغل حتى الآن، حيث يتوقع أن تساهم قناة الشيخ زايد، التي اكتملت الأعمال الإنشائية فيها بداية شهر أغسطس المنصرم في نقل مياه النيل إلى الأراضي الصحراوية في منطقة "توشكي" وتحويلها إلى أراضٍ زراعية ومشروعات للإنتاج الحيواني، حيث مولت حكومة أبوظبي المشروع ضمن المنحة التي أمر بها المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد، المقدرة بمئة مليون دولار، والتي ستساهم مساهمة فعالة في استصلاح الأراضي الزراعية وزيادة الإنتاج في جمهورية مصر العربية. وتعتبر مثل هذه المشاريع بمثابة مشاريع مستقبلية تساهم بصورة كبيرة في استغلال الفرص المتاحة وزيادة معدلات التنمية وتأمين الأمن الغذائي. إلا أن الجانب الآخر من هذه القضية يتعلق بالبلدان التي لا تملك مقومات زراعية ومصادر مياه، كبلدان الخليج العربي التي تتزايد قيمة وارداتها من السلع الغذائية، وبالأخص القمح والأرز سنة بعد أخرى. وفي الوقت نفسه، فإن دول الخليج تملك القدرات المالية الكبيرة التي تمكنها من تنويع استثماراتها في الخارج لتشمل الاستثمارات الزراعية في العديد من بلدان العالم التي تملك مقومات مثل هذا الاستثمار، حيث لا تشكل الاستثمارات الزراعية رغم أهميتها نسبة تذكر من إجمالي الاستثمارات الخليجية. وفي هذا الصدد يشير "أركادي كرناتسكي"، وهو أحد كبار المستثمرين الزراعيين في أوكرانيا بيديه إلى الأراضي الشاسعة التي يملكها والتي هي بحاجة إلى استثمارات إضافية لمضاعفة الإنتاج، وذلك بالإضافة إلى احتياجاته لصوامع التخزين ووسائل النقل الحديثة التي يمكن أن تساهم في الحد من التلفيات الناجمة عن سوء التخزين والنقل بشكل عام، مؤكداً على أن الشراكة التي يدعو إليها مع الاستثمارات الأجنبية يمكن أن تتضمن المشاركة في الإنتاج وشراء أراض زراعية جديدة بأسعار رخيصة وتقديم ضمانات فيما يتعلق بحقوق الملكية ووجهات التصدير. ومن خلال التطورات الجارية منذ أزمة الغذاء في عام 2008 يبدو أن هذه الأزمات ستتكرر وتتعقد في السنوات القادمة لأسباب موضوعية تتعلق بالتغيرات المناخية والزيادة السكانية من جهة ولأسباب تتعلق بالمضاربات من جهة أخرى. ولحسن الحظ، فإن العديد من بلدان العالم التي تملك قدرات زراعية على استعداد للترحيب بالاستثمارات الخليجية وتوفير الضمانات اللازمة لها، بما في ذلك ضمانات الحصول على حصتها من الإنتاج الزراعي وحرية انتقال الاستثمارات وحقوق الملكية، كما أشار ألى ذلك بصورة صحيحة رجل الاقتصاد "كرناتسكي" المذكور، وهو ما قد يفتح آفاقاً جديدة للاستثمارات الخليجية في الخارج.