بعد انقضاء العام الأول من عمر الإدارة الأميركية الحالية، الذي سلطت فيه الاهتمام على إصلاح نظام الرعاية الصحية، وتخلله صدور تقرير متشائم بشأن الوظائف الجديدة وخفض معدلات البطالة، قررت هذه الإدارة في نهاية الأمر مواجهة المعضلة، فأصبح شعار اللحظة على أجندتها وكأنه "الوظائف ..الوظائف.. الوظائف" على حد تعبير رئيس موظفي البيت الأبيض، "رام إمانويل". كما اعترف الخبير الاستراتيجي "ديفيد أكسيلرود" بأن إدارة أوباما قد قررت تركيز جهودها في المرحلة المقبلة على الجانب الاقتصادي. ومن جانبه قال الرئيس أوباما نفسه في هذا الصدد: "إن علينا أن نثابر على العمل اليومي من أجل تمكين اقتصادنا القومي من استئناف نشاطه ونموه مجدداً. وبالنسبة لي، كما هو بالنسبة لكثير من الأميركيين، فإن ذلك يعني تحديداً خلق المزيد من الوظائف. وبعد مضي ستة أشهر إضافية من دراما الصراع حول نظام الرعاية الصحية، والإصلاح الباهت عديم الأثر للنظام المالي، ثم احتدام الحوار العام بشأن قانون الهجرة، وضعف استجابة الإدارة لبقعة النفط التي تسببت بها شركة "بي. بي" في خليج المكسيك، أصبحت نسبة 67 في المئة من الأميركيين ترى أن الرئيس لم يبذل من الجهود بما يكفي لخلق الوظائف وفرص العمل الجديدة. ثم إن تقرير شهر يوليو الماضي عن الوظائف غير متفائل هو الآخر، وخاصةً أنه قدم إحصاءات بخروج 181 ألف عامل إضافيين من سوق العمل نهائيّاً. وتكاد تصل النصيحة التي قدمها الاستراتيجيون وكذلك المشرعون "الديمقراطيون" القلقون على مصيرهم الانتخابي في نوفمبر المقبل إلى حد الأمر المباشر: عليك التركيز على الوظائف، قبل كل شيء. ولكن يلاحظ أن الرئيس أقحم نفسه في الخلاف الدائر بشأن إنشاء مركز إسلامي ومسجد في مانهاتن، وأبدى اهتماماً بمرور الذكرى الخامسة لكارثة إعصار كاترينا، إضافة إلى إلقائه خطاباً للأمة عن حربي العراق وأفغانستان. وخلال لقاء صحفي أجراه معه براين ويليامز في عطلة نهاية الأسبوع الماضي، أثار أوباما تعليقات صحفية جديدة عن انتمائه الديني، إضافة إلى ما تردد عنه من تعليقات وهتافات أثناء موكب "جلين بك" الاحتجاجي الذي نظم في واشنطن مؤخراً. ويبدو أوباما الآن بصورة الرئيس الذي فقد بوصلة رسالته العامة الموجهة إلى مواطنيه والعالم. وتبدو رسالته حائرة تائهة تلتقطها وتتناقلها الألسن والفضائيات والإذاعات والصحف دون هدى أو دليل. وهناك من يلقي باللائمة في هذا على فريقي الاتصال والسياسة المساعدين للرئيس، لكونهما يتعاملان مع الأحداث بردود الأفعال ويفتقران إلى المبادأة. ولكن يبقى هناك احتمال آخر يفسر عزوف الرئيس نفسه عن الحديث عن الوظائف: فربما لم يبق له ما يقوله عنها من الأساس! وقد سبق لأوباما إرسال عدد من الرسائل الاقتصادية للجمهور. ومن بينها على سبيل المثال: لو لم أنفق على مؤسساتنا المالية كل تلك المبالغ الضخمة، لكانت حياتكم أكثر بؤساً مما هي الآن. غير أن هذه الرسالة لم تفلح في تحقيق الغرض الذي صممت من أجله، وخاصةً أن الإدارة نفسها تنبأت بأن تخفض خطة الحفز الاقتصادي معدلات البطالة إلى حوالي 8 في المئة. ومن بين الرسائل الاقتصادية الأخرى التي بعث بها الرئيس أيضاً: لا تلوموني أنا، بل عليكم توجيه اللوم إلى بوش. وهذه رسالة سلبية تتطلع إلى الخلف وليس إلى الأمام. أما رسالته القائلة: "امنحوني بعض الوقت وستكون الأمور على ما يرام" فقد بدت هي الأخرى سالبة ومشحونة بنبرة الدفاع الذاتي. ويتعين على أوباما إجراء حفز اقتصادي آخر -إن كان في استطاعته أن يفعل- لاسيما في مجال خلق الوظائف الجديدة، وهو الشعار الرئيسي الذي يخوض به المشرعون "الديمقراطيون" حملتهم الانتخابية الوشيكة في نوفمبر. ولكن مشكلة أوباما هي أنه أنفق سلفاً بما يتجاوز حدود صبر عامة الجمهور الأميركي. وعليه فإن هذا الخيار ليس عمليّاً ولا واقعيّاً. والآن وبعد أن اقترب من الانتخابات النصفية بمدة شهرين لا أكثر، نراه يحاول تسليط جهوده مرة أخرى على خلق الوظائف الجديدة، إلى جانب المناداة بإجراء خفض طفيف هامشي على الضرائب المفروضة على الاستثمارات الصغيرة. ولكن ليس متوقعاً لهذه الرسالة الأخيرة أن تحقق هدفها. ذلك أن الحوار الرئيسي العام الذي سيدور عن الوضع الضريبي من الآن وحتى موعد إجراء الانتخابات النصفية، سيتركز على التخفيضات الضريبية التي تمت في عامي 2001 و2003، وهي خطة الحفز الاقتصادي التي أطلقها بوش، المتوقع انتهاء سريانها بتاريخ 31 ديسمبر المقبل، ما لم يتحرك الكونجرس ويستبقها بخطوة تشريعية قبل حلول التاريخ المذكور. وبهذه المناسبة فقد اقترح أوباما حذف ذلك الجزء من خطة حفزه الاقتصادي، المخصص للأثرياء من دافعي الضريبة الأميركيين. وكما نعلم، فإن "الجمهوريين" على معارضتهم الثابتة لأي زيادة ضريبية في ظل نظام اقتصادي يعاني ضعفاً. وعلى أية حال، فربما يتمخض الحوار العام الجاري الآن عن عدة مخاطر منها: أولاً: ربما يأمل "الديمقراطيون" في مجلس الشيوخ، في إقناع المشرعين "الجمهوريين" بمساندة تمديد الخفض الضريبي الذي حوته خطة بوش السابقة، بالنسبة للطبقات الوسطى وليس الأثرياء. ولكن بسبب الخلاف والاستقطاب الحاد المحتدم بين "الجمهوريين" و"الديمقراطيين"، فإن كل المؤشرات تشير إلى عكس ما يأمله "الديمقراطيون" تماماً. ثانياً: ربما يتفق مشرعو الحزبين على تمديد مؤقت لخطة إدارة بوش الضريبية، إلى أن يتحسن أداء الاقتصاد القومي بعض الشيء. ولكن سيكون اتفاق كهذا خسارة كبيرة بالنسبة لـ"الديمقراطيين"، طالما أنه يقضي على وعد إدارتهم بإبطال الخفض الضريبي الذي أقرته إدارة بوش لصالح الأغنياء. ثالثاً: ربما تخفق جهود الاتفاق الثنائي الحزبي على السياسات الضريبية، ما يعني وضع المزيد من العقبات في طريق اقتصاد لا يزال يحاول الخروج من هوة الركود الاقتصادي العميق. مايكل جيرسون محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست"