التقرير الذي صدر مؤخراً عن "جهاز أبوظبي للرقابة الغذائية" يسلّط الضوء على إحدى الظواهر المقلقة التي تتصل اتصالاً وثيقاً بصحة أفراد المجتمع، وهي "المخالفات الغذائيّة" في ظل عدم التزام العديد من المنشآت الغذائية معايير السلامة الغذائيّة، حيث يشير التقرير إلى أنه تم إنذار 1406 منشآت غذائية، وتوقيع 199 مخالفة على ملاحم ومحالّ تموين وبيع بالتجزئة. هذه الإحصاءات، وإن كانت تكشف بوضوح عن فاعليّة الدور الرقابي المهم الذي يقوم به الجهاز في التصدّي لمخالفات الأغذية، فإنها تشير على الجانب الآخر إلى وجود خروقات وممارسات ضارّة بالصحة العامة لدى الكثير من المنشآت الغذائية في البلاد. ما يلفت الانتباه في مشكلة المخالفات الغذائية أمران، الأول يتعلّق بقائمة المخالفين لاشتراطات سلامة الأغذية، التي لم تعد مقصورة على المحالّ والبقالات الصغيرة، وإنما أصبحت تضمّ أيضاً مراكز تجارية ومولات كبيرة لديها سمعة لدى الجمهور يأتي إليها اعتماداً على اسمها. أما الأمر الثاني، وربما الأخطر، فإنه يتعلّق بضخامة كميات الأغذية التي يتم إعدامها خلال الحملات التفتيشيّة، وكثرة المخالفات التي يتم ضبطها، فقد أتلف "جهاز أبوظبي للرقابة الغذائية" ما يقارب 108 أطنان مواد غذائية في شهر مايو الماضي، وذلك لمخالفتها اشتراطات سلامة الغذاء، فيما منع دخول 59141 كيلوجراماً من الخضار والفواكه لعدم وجود شهادة خلوّ من المبيدات والحشرات، وعدم صلاحية بعضها للاستهلاك الآدمي. المخالفات الغذائيّة بهذا الشكل المتزايد تشكل تهديداً للأمن الصحي للمواطنين، حيث تشير الدراسات العلمية إلى أن الأغذية غير المأمونة تتسبّب بإصابة شخص واحد من كل ثلاثة أشخاص بالمرض في العالم كل عام. كما أنها تعطي الانطباع بعدم فاعليّة جهود الرقابة على الأغذية، ما يعني أنها قد تستمر وتتواصل ما دامت العقوبة لن تزيد على الإغلاق لبضعة أيام، أو دفع غرامة ماليّة بسيطة في الأغلب. الخطورة لا تتوقف عند هذا الحد، بل قد تطول في تداعياتها التأثير في قطاع السياحة الذي يعتمد بصفة رئيسيّة على شبكة المطاعم العصرية والعالمية المنتشرة هنا وهناك، لأن استهتار بعضها -حتى لو كان قليلاً-، وعدم التزامه المعايير الصحيّة، يعطيان صورة مشوّهة عن الجميع، وقد يترك ذلك انطباعاً سلبياً، غير قائم، عن مستوى الخدمة لمن يأتي إلى البلاد لقضاء عطلة سياحية. لا أحد ينكر الدور المهمّ الذي يقوم به "جهاز أبوظبي للرقابة الغذائية"، لكن هذه الكميات اللافتة للنظر من المخالفات والمواد الغذائيّة المخالفة للشروط والمواصفات التي جاءت في التقرير الأخير تشير إلى وجود حاجة ملحّة إلى مزيد من الرقابة والتعاون بين الأجهزة المعنيّة بالرقابة الغذائية، ليس على مستوى أبوظبي فحسب، ولكن على مستوى مدن الدولة المختلفة أيضاً، لأن تفاوت معايير الرقابة على الأغذية بين الأجهزة والهيئات المعنيّة من إمارة إلى أخرى داخل الدولة كان أحد أسباب عدم فاعليّة هذه الرقابة. والمأمول أن ينظّم "القانون الاتحادي للغذاء"، الذي جرى الانتهاء من إعداده مؤخراً، الرقابة على المواد الغذائية على مستوى الدولة، لأنه يتضمّن تدابير مهمة عدّة لتحقيق سلامة الأغذية ومأمونيتها من ناحية، كما يوحّد الآليات المطلوبة لتفعيل الرقابة على تداول الغذاء على مستوى الدولة، بما يتوافق مع المواصفات والمعايير الدوليّة من ناحية ثانية. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية