بمرور كل دقيقة، من كل ساعة، من كل يوم، تلقى امرأة حتفها، أثناء الحمل، أو الولادة، أو النفاس، وهو ما يترجم في النهاية إلى نصف مليون امرأة، يلقين حتفهن سنويّاً أثناء الحمل، أو بسبب مضاعفات مرتبطة بعملية الولادة. وكما هو الحال مع الكثير من الأمراض والمشاكل الطبية المندرجة تحت مفهوم الصحة العامة أو الصحة المجتمعية، لا تقع هذه الوفيات بشكل متساوٍ بين دول العالم، حيث يقع معظمها في دول العالم الثالث. ففي الوقت الذي لا تزيد فيه نسبة وفيات الأمهات عن 9 لكل 100 ألف ولادة حية في الدول الغنية، وأحياناً 4 فقط كما هو الحال في النمسا مثلا، نجد أن هذه النسبة ترتفع إلى 2000 وفاة لكل 100 ألف، كما هو الحال في سيراليون وأفغانستان. وتتعدد الأسباب التي تؤدي لوفيات الأمهات بشكل كبير، منها أسباب اجتماعية، وأسباب أخرى اقتصادية، بالإضافة إلى مجموعة الأسباب الطبية، مثل النزيف الحاد، والعدوى بالميكروبات والجراثيم، وتسمم الحمل، وتعسر الولادة. وهذا السبب الأخير، أو الولادة المتعسرة، يعتبر مسؤولا وحده عن 8 في المئة من مجمل وفيات الأمهات بسبب الحمل والولادة، وعن جزء لا يستهان به من وفيات الأجنة، أو تعرضها للاختناق داخل الرحم نتيجة نقص الأوكسجين، وهو ما قد ينتج عنه إصابة المولود لاحقاً بالصرع، أو الحالة المعروفة بنقص التركيز المصاحب بفرط النشاط الحركي، أو اضطرابات الشهية، أو الشلل الدماغي بسبب تلف خلايا المخ والحبل الشوكي. وغالباً ما تتعرض الأم وجنينها لولادة متعسرة بسبب صغر محيط حوض الأم مقارنة برأس الجنين، أو وجود الجنين في وضع غير طبيعي داخل الرحم، حيث يفترض أن تكون الرأس في الأسفل، أو أن تكون انقباضات الرحم غير قوية أو غير منتظمة بالشكل الكافي. وهذا السبب الأخير، يمكن علاجه في الكثير من الحالات من خلال حقن الأم بهرمون خاص (الأوكسيتوسين)، أما بقية حالات الولادة المتعسرة فغالباً ما تتطلب مساعدة من قبل الطبيب أو القابلة، باستخدام جفت الولادة أو الشفاط لسحب الجنين، أو بشكل أكثر شيوعاً من خلال اللجوء إلى الولادة القيصرية. وبالنظر إلى أن واحدة من كل عشر أمهات تتعرض لولادة متعسرة، وكنتيجة أيضاً لأسباب أخرى متعددة مثل اختيار بعض الأمهات للولادة القيصرية دون وجود سبب طبي، شهدت السنوات الماضية زيادة هائلة في عدد حالات الولادة القيصرية، وبمقدار 46 في المئة مثلا في الولايات المتحدة منذ عام 1996. ولذا حاليّاً، تبلغ نسبة الولادات القيصرية في الولايات المتحدة 30 في المئة، وفي بريطانيا نسبة 20 في المئة، وفي كندا نسبة 22.5 في المئة، من جميع الولادات. وبوجه عام، وإن لم يكن هناك سبب طبي واضح ومعروف مسبقاً، لا يلجأ الأطباء للولادة القيصرية ساعة الولادة، إلا عند عجز الأم -وبعد ساعات طويلة من المحاولة- في تحقيق الولادة الطبيعية. وهذه الساعات، تسبب إرهاقاً شديداً للأم، وتزيد من احتمالات تعرضها وجنينها للمضاعفات الخطيرة، لينتهي بهما الأمر بعد جهد شاق في غرفة العمليات للولادة قيصريّاً. وهذا السيناريو غير المرغوب فيه، يتكرر كثيراً، بسبب عجز الأطباء -في ظل غياب سبب واضح- عن معرفة ما إذا كانت الأم ستنجح في الولادة طبيعيّاً، أم أنهم سيضطرون في النهاية لإخراج الجنين جراحيّاً. ولكن، حسب ما تناقلته وسائل الإعلام مؤخراً، نجحت شركة سويدية في طرح حل لهذه المشكلة، يعتمد على فحص يقيس نسبة حمض "اللاكتيك" في السائل المحيط بالجنين أثناء الولادة. وهذا الحمض، تنتجه عضلات الرحم، مثلها مثل بقية عضلات الجسم، عند بذل مجهود لفترة طويلة. ويترافق ارتفاع مستوى هذا الحمض بإجهاد العضلة، وفقدانها لقدرتها على الاستمرار في الانقباض، ووصولها لمرحلة الإجهاد التام، كما هو معتاد بعد بذل مجهود كبير من قبل الأشخاص العاديين أو من الرياضيين في المسابقات الرياضية. أي أن ارتفاع تركيز هذا الحمض في الدم، يعني أن العضلات قد وصلت إلى نقطة الإجهاد التام، كما أن ارتفاع تركيزه في السائل المحيط بالجنين، يعني أن عضلات الرحم قد وصلت أيضاً إلى نقطة الإجهاد التام، وأصبحت غير قادرة على الانقباض بشكل كافٍ لإخراج الجنين بشكل طبيعي. ولذا، يصبح من العبث، والخطر على الأم والجنين، الانتظار لفترة أطول أملا في ولادة طبيعية، ويصبح من الضروري اللجوء للولادة القيصرية في أسرع وقت. ويشكل الفارق بين اعتماد الطبيب على حدسه وخبرته السابقة، في تحديد الوقت الذي وصل فيه الرحم إلى الإجهاد التام، وبين اعتماده على فحص واضح ومحدد، نقطة تحول جوهرية على صعيد الجهود الرامية لخفض الثمن الإنساني والاقتصادي الناتج عن مضاعفات الولادة المتعسرة، التي تشكل 10 في المئة من مجمل الولادات. وفداحة هذه المضاعفات تتضح من حقيقة أن منظمة الصحة العالمية تقدر أن ما بين أربعة إلى تسعة ملايين طفل حديث الولادة يتعرضون للاختناق أثناء الحمل والولادة -نتيجة الولادة المتعثرة وأسباب أخرى كثيرة- ليلقى 1.2 مليون منهم حتفهم، وهو ما يشكل ثلث الوفيات الإجمالية بين الأطفال حديثي الولادة، بالإضافة إلى عدد مماثل من الأطفال لا يلقون حتفهم، وإنما يتعرضون لإعاقات خطيرة، ترهق الأسر، وميزانيات نظم الرعاية الصحية، وبدرجة وضعت الاختناق أثناء الحمل والولادة في المرتبة التاسعة، على قائمة أكثر المشاكل الصحية تكلفة في توفير الرعاية لمن يتعرضون للمضاعفات الناتجة عنه.