منذ سنوات، عندما كانت أميركا تعد العدة لعقد مؤتمر "أنابوليس" للسلام الذي أحيط بضجة إعلامية عالية، أتذكر أنني كتبت أقول: إنني أشعر بـ"الأمل" ولكن ليس بـ"التفاؤل" أما الآن ونحن على وشك الدخول في جولة جديدة من محادثات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، فإنني لا أستطيع حتى أن أقول إنني أشعر بـ"الأمل" وإن كنت سأستمر في دعم تلك المحادثات لأنني أعرف أن عواقب فشلها وخيمة. وعقد هذه المحادثات في الوقت الراهن كان خطوة مفاجئة من قبل الرئيس أوباما وخصوصاً أنه يعرف أن احتمالات النجاح ضئيلة، وأن الخسائر التي ستترتب على فشل المحادثات هذه المرة ستكون فادحة. والأسباب التي تجعل احتمالات نجاح هذه المحادثات ضئيلة، من وجهة نظري، يمكن تبيانها فيما يلي: نبدأ بما قاله نتنياهو حول "وجوب" بدء هذه المحادثات بدون شروط مسبقة. فعلى رغم قوله هذا إلا أنه وضع عدة شروط مسبقة من ناحيته حتى وإن كان قد أطلق عليها مسمى "أولويات" على وجه التمويه. وعلى سبيل المثال، قد يبدو إصراره على اعتراف الفلسطينيين بيهودية الدولة مطلباً "بريئاً" في نظر العديد من الأميركيين المؤيدين لإسرائيل، بيد أن المصطلح نفسه يبدو في نظر العرب مصطلحاً ملغوماً، لأنه يعني حرمان ما يعادل 20 في المئة من سكان إسرائيل الفلسطينيين من حقوقهم الشرعية إلى الأبد، كما يستبعد تماماً حق فلسطينيي الشتات في العودة إلى ديارهم. ونأتي بعد ذلك لإصرار نتنياهو على الحصول على ضمانات أمنية: فعلى رغم أن المطالبة بذلك قد تبدو أمراً منطقيّاً بالنسبة لأي أحد في الولايات المتحدة، إلا أن الحقيقة هي أن نتنياهو يضع تعريفاً فضفاضاً للأمن يشمل تواجداً إسرائيليّاً في وادي الأردن، ويضع قيوداً شديدة على استقلال الدولة الفلسطينية المقبلة، وقدرتها على السيطرة على أراضيها وعلى الخروج والدخول من حدودها. والشيء الأكثر إثارة للقلق هو عجز هؤلاء الذين يقولون إنهم متفائلون للغاية بنجاح المحادثات، عن إدراك حقيقة أن اللغة التي يستخدمونها، والإطار الذي يقترحونه، يتجاهلان تماماً واقع الفلسطينيين وهمومهم إلى درجة تدفع لوصف تفاؤلهم هذا بأنه "مبالغ فيه" في أفضل الأحوال، أو أنه "مهين" للفلسطينيين في أسوئها. فهؤلاء يوزعون المصطلحات برعونة من قبيل "تبادل الأراضي"، و"الكتل الاستيطانية"، و"الأحياء اليهودية في القدس" دون أدنى إدراك لما تعنيه تلك المصطلحات بالنسبة للفلسطينيين، ومدى تأثير كل منها على تحديد الأوضاع على الأرض. وعلى سبيل المثال ينظر الفلسطينيون إلى مصطلح "الأحياء اليهودية في القدس" على أنه يعني قيام إسرائيل ببناء مستعمرات ضخمة وممتدة مثل تلك التي أقامتها فوق جبل أبوغنيم وفوق مساحات مصادرة من أراضي الفلسطينيين. أما "الكتل الاستيطانية" و"تبادل الأراضي" فيعنيان في نظر الفلسطينيين الاعتراف بالأمر الواقع، والتغاضي عن الاستيلاء على أراضيهم وبناء المستوطنات عليها بما يجعل إنشاء الدولة الفلسطينية المستقبلية أمراً أكثر صعوبة. هذا ناهيك بالطبع عن مصطلح "حق العودة" الذي يرى الإسرائيليون أنه يمثل تهديداً وجوديّاً لدولتهم، في حين ينظر إليه الفلسطينيون على أنه شرط لازم لأي اتفاقية سلام. وحتى إذا ما افترضنا أن الكثير من تلك المفاهيم قد نتج عن مفاوضات إسرائيلية- فلسطينية سابقة مثل مفاوضات "جنيف" غير الرسمية التي أيدتها في حينها، إلا أننا ينبغي أن نعترف أيضاً بأن التوصل لتلك المفاهيم قد تم من خلال مفاوضات شاقة، وفي ظروف مختلفة تماماً عن الظروف الحالية، حيث لم تكن هناك جدران عازلة، كما كان عدد المستوطنين أقل من العدد الحالي بمئة ألف مستوطن على الأقل، ولم يكن هناك انقسام كالقائم حاليّاً في الصف الفلسطيني، علاوة على أن إسرائيل تصر في الوقت الراهن على أن تكون تلك المفاهيم مجرد نقاط لبدء مفاوضات من أجل الحصول على المزيد من التسويات والحلول الوسط. ولهذه الأسباب مجتمعة، أجد أنه من الصعب للغاية على المرء أن يشعر بالتفاؤل لا بل إن الشعور بمجرد الأمل ذاته قد يكون مطلباً عسيراً. ومع ذلك، فإنني لا أملك سوى الأمل في أن تحافظ "حماس" على موقفها الحالي ولا تتورط في أعمال عنف طائشة وخطرة بهدف إفساد المحادثات، كما آمل أن تلتزم حكومة إسرائيل ومستوطنوها بعدم الإقدام على ما من شأنه استفزاز الفلسطينيين مثل الشروع في أعمال بناء جديدة أو خلق المزيد من المصاعب لهم. كما آمل، بذات الدرجة، في حالة عدم التزام الطرفين بذلك أن تكون الولايات المتحدة متوازنة في التدخل وممارسة الضغط على الطرفين. ونظراً لأن الرئيس الأميركي هو الذي يريد هذه المحادثات، وأنه شخصيّاً أعلن أن نجاحها يصب في "مصلحة الأمن القومي الأميركي" فإنني آمل أن يكون قد أعد "خطة ب" أو خطة بديلة متقنة، في حالة ما إذا أخفقت أو تعثرت "الخطة أ" أو الخطة الأصلية في كسر الجمود الحالي. وآمل في نهاية المطاف أن تنطوي"الخطة ب" على تفكير جديد يأخذ في اعتباره احتياجات وهموم الفلسطينيين والإسرائيليين معاً. وقد لا تكون المبادرة الأميركية الجديدة جيدة وبالتأكيد أنها ليست كاملة ولكن ينبغي أن ينظر إليها على أنها منصفة، وحتى بعد أن يتحقق فيها هذا الشرط سيجد الرئيس الأميركي نفسه مطالباً ببذل جهد شاق حتى يتمكن من بيع التسويات المطلوبة للطرفين وبناء قاعدة تأييد للسلام يمكنها أن تعيد صياغة تفاصيل المشهد السياسي مما يجعل تحقق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين أمراً ممكناً.