ذاك برأيي هو منتهى الطائفية السياسية، وقمة الجهل بالتاريخ، وغياب الوعي عن فهم الواقع. شراك تدفع بها بعض أطراف المؤسسة الدينية السياسية في طهران، ونقع فيها جهاراً نهاراً بمحض إرادتنا. كتبت وآخرون محذراً من المُسلَّمات الطائفية، وموكداً أهمية الانتباه لخطر التعميم في الحكم على الطوائف، وخاصة التعميم على الشيعة في العالم والقول إنهم مؤيدون لإيران السياسية. فرق بين أن تكون شيعيّاً ترى في إيران ارتباطاً روحيّاً ومذهبيّاً معك في زمن الشحن الطائفي، وبين أن ترى إيران محقة في سياستها بالتدخل في شؤون الآخرين! فرق أن تشعر برابط ديني مع أماكن دينية مثل قُم ومشهد والمزارات الدينية الشيعية بإيران، وبين أن تكون مؤيداً ومتبنيّاً لنظرية ولاية الفقيه. فرق بين أن تحب زيارة إيران للسياحة الدينية والطبيعية وغيرها، وبين أن تؤيد سياسة تعريض الشعب الإيراني للحصار من أجل طموحات سياسية في الحصول على القنبلة النووية. فرق بين أن تكون من أصول فارسية وتشعر بنوع من التعاطف مع الإيرانيين كشعب، وبين أن تؤيد سياسة بلادهم عندما تتبنى شعارات دينية بعيدة عن الترجمة على أرض الواقع. هذا الرباط بين الشيعة وإيران -عرباً أو غير ذلك- لا يدخلهم في خانة الخيانة أو التبعية لإيران بأي حال من الأحوال. فكثيرون من السُّنة -ولا زالوا- اعتبروا ابن لادن "بطلا"، وكثيرون منهم -ولا زالوا- يعتبرون الملا عمر "أمير المؤمنين"، ويرون في "طالبان" المنقذ، ولكن ذلك لم يدفعنا إلى التعميم على أهل السنة بتبعيتهم لأفغانستان، ولا بخيانة السنة - بالجملة- لبلدانهم الأصلية. فرز قاتل يتشكل في أذهان الشباب وصغار السن، ويكرسه بعض رجال الدين- السياسي على ضفتي الخليج العربي، "الشيعة" كلمة لها مدلولات نفسية ولغوية وسياسية واحدة: إيران. وكلمة السُّنة ترتبط ارتباطاً شرطيّاً مباشراً بالعرب. مفاهيم مدمرة تراها تتكرس أمام ناظريك كشاهد عيان بيان على تشويه الحقائق لتداخل الدين بالسياسة. التشيع مذهب، لا جنسية له، والسنة مذهب يتجاوز أهله الحدود والجنسيات والجنس والألوان والقوميات واللغات، تماماً مثلما الإسلام والمسيحية والبوذية واليهودية لا جنسية لها، ولا ترتبط بقومية أو بلد محدد. صحيح أن إيران ترفع لواء الدولة الدينية الشيعية، وهي بذلك لا تخفي علانية مذهبيتها التي ثبتتها في دستورها كتابة، ولكن التسليم بهذا الأمر هو استسلام لطروحات الدين السياسي، وتخلٍّ عن الطرح المدني في مواجهته. الصوت الإيراني السياسي لحشد الشيعة لتأييد إيران، هو صوت عال في لبنان -"حزب الله"، ولكنه ليس صوت الطائفة الشيعية كلها، والقول بتحكم إيران في شيعة العراق، تدحضه مراوحة تشكيل الحكومة منذ ستة أشهر على رغم أن غالبية الفائزين بالانتخابات من أحزاب شيعية، والمرجعية الدينية للنجف تفوق بأتباعها أتباع ولاية الفقيه أضعافاً مضاعفة. هذا الشحن الطائفي، يتلقفه الطرف العربي ويعززه بغباء طائفي متخلف، مما خلق وهماً جديداً كارثيّاً بفرسنة (من الفرس) الشيعة وعوربة (من العرب) السنة.