يتعرض الرئيس الأميركي أوباما لحملة إعلامية قوية هذه الأيام، وتأتي هذه الحملة من مختلف الاتجاهات سواءً من "الجمهوريين" أم من بقايا "المحافظين الجدد"، أو من الجناح اليمني في المجتمع الأميركي، الذي يسمي نفسه بحركة "حفلات الشاي"، وهي حركة سياسية واقتصادية معارضة لبعض القرارات والقوانين الاقتصادية التي سنت عام2009 بغرض مساعدة الشركات ماليّاً على الخروج من الأزمة المالية العالمية، وهي قرارات اعتبرتها هذه الحركة تدخلاً حكوميّاً في شؤون القطاع الخاص، وخاصة أن تكاليفها يتحملها دافعو الضرائب. وفي البداية كانت هذه الحركة موجهة ضد رجال الكونجرس خاصة من "الديمقراطيين" الذين فازوا في انتخابات عام 2008، وأصبحوا يمثلون الأغلبية فيه. وسرعان ما تحولت هذه الحركة من المستوى المحلي إلى المستوى الوطني، وبدأت تهاجم أوباما والسياسات التي يتبناها خاصة في مجال التأمين الصحي. ولم تقتصر هذه الحركة وأقطابها ومنهم "سارة بالين" المرشحة السابقة لمنصب نائب الرئيس على هذا الموضوع، بل تعدت ذلك إلى المجال السياسي، ونجحت في دعم مرشحيها في بعض الانتخابات المحلية في شهر يونيو الماضي. وترتبط الحملة الإعلامية ضد أوباما باقتراب موعد الانتخابات النصفية للكونجرس في شهر نوفمبر المقبل. ويخشى "الديمقراطيون" من فقدهم للأغلبية في مجلسي الشيوخ والنواب. وخلال العامين الماضيين تقلصت شعبية الرئيس على المستوى الوطني إلى حدود 44 في المئة، وتقلصت بشكل أكبر في بعض الولايات ذات الأهمية الكبيرة في الانتخابات النصفية، خاصة في بعض ولايات الوسط والغرب الأميركي، التي تعتبر ولايات مهمة، مما يعني أن الناخبين في هذه الولايات قد ينتخبون شخصيات محافظة من الحزب "الجمهوري" تؤثر في موازين الاقتراع على القوانين التي يبعث بها الرئيس إلى الكونجرس. وهو ما قد يضعف صورة الرئيس وقدرته على تمرير القوانين التي يرغب في سنها. وأعداء أوباما يتهمونه بالإخفاق في سياساته الاقتصادية حيث لم ينجح ضخ مليارات الدولارات في خزائن البنوك المتعثرة ومصانع السيارات في دفع الاقتصاد الأميركي إلى الأمام، بل خفف فقط من حدة الانهيار الاقتصادي الذي كان من الممكن أن يصاحب الأزمة المالية العالمية. وفي المقابل زاد العجز في الميزانية إلى حوالي 1.3 تريليون دولار لهذا العام. وأمام هذه الانتقادات دافع أوباما وإدارته بأنه نجح في تخفيض 26 ضريبة من الضرائب الفيدرالية، وأن الإنفاق الحكومي سيتقلص بشكل أكبر بعد ستة أشهر من الآن، بعد أن تتقلص مدفوعات الحكومة للشركات المتعثرة. غير أن هناك أبعاداً أخرى للحملة ضد أوباما، فبعض المتطرفين من البيض لم يعترفوا أبداً بشرعية أول رئيس أسود يتسلم هذا المنصب في تاريخ الولايات المتحدة. وهناك البعض ممن يرى أن الرئيس مسلم بسبب اسمه، وقد وصلت هذه النسبة أو الانطباع إلى 18 في المئة من المستجوبين. ومع أن الولايات المتحدة بلد متعدد الديانات والأعراف، إلا أن سمعة المسلمين لم تكن على الدوام ذات طابع إيجابي، وقبل أحداث سبتمبر2001، كان المكسيكيون الأميركيون أقل حظاً من المسلمين الأميركيين في الرؤية الإيجابية لدى الرأي العام، غير أن أحداث سبتمبر وما تلاها من حرب ضد الإرهاب، وحروب في العراق وفي أفغانستان، والحملات الإعلامية المصاحبة، أثرت بشكل أكبر في تشويه سمعة المسلمين لدى قطاع واسع من المواطنين الأميركيين. ولعل من أهم الأقلام التي تخصصت في انتقاد أوباما الدكتور فؤاد عجمي، وهو من أقطاب "المحافظين الجدد"، وحليف لنائب الرئيس السابق "ريتشارد تشيني" ومنظر للحرب ضد العراق. وقد كتب مؤخراً مقالاً في جريدة "وول ستريت جورنال" ينتقد فيه أوباما، ويرى فيه ظاهرة غريبة ظهرت فجأة على المسرح الأميركي تدفعها "كاريزمائية" هذا الرئيس الشاب الذي اقتنع الكثيرون به في الولايات المتحدة، وفي العالم العربي وأوروبا. وقد بنى أوباما -حسب رأي عجمي- سياساته على نقض السياسات القديمة للحكومات الأميركية بعدم التدخل في ميكانيزمات السوق، وجاء أوباما ليعلن التدخل المباشر في إنقاذ الشركات المنهارة، ومحاولة الحفاظ على وظائف العاملين فيها، وضخ أموال هائلة في هذين المجالين. كما أنه اعتذر للعالم الإسلامي، عما فعلته الولايات المتحدة في الماضي بحق المسلمين، وحاول أن يمد يده ويد الأميركان إلى هذا العالم، كما حاول التفريق بين الإسلام والإرهاب. إلا أن الإرهابيين طاردوه وأرسلوا مندوبهم النيجري "عمر عبدالمطلب" إلى الولايات المتحدة ليحاول تفجير طائرة ركاب أميركية. وبالنسبة لعجمي، فقد فشل أوباما في سياساته الاقتصادية، كما فشل في سياسات التأمين الصحي. وبناء على كل هذه المعطيات فإن أوباما الذي صعد بسرعة هائلة على المسرح السياسي الأميركي - حسب رأي فؤاد عجمي- سيأفل نجمه كذلك بسرعة، إن لم يكن قد بدأ بالفعل الدخول في مرحلة الأفول. ولاشك أن التيار الجمهوري والمحافظ في الولايات المتحدة سيحاول أن يستغل الانتخابات النيابية القادمة بعد شهرين لإيصال العديد من أنصاره إلى الكونجرس غير أن من المبكر جدّاً القول بأن المستقبل السياسي لأوباما قد انتهى. فقد نجح في تحقيق واحد من أهم وعوده الانتخابية متمثل في الانسحاب من العراق. غير أن حرب أفغانستان ستظل تلاحقه، ويبدو أن ضخ المزيد من الجنود الأميركيين في ساحات القتال قد لا يسمح للجيش الأميركي بتحقيق الانتصار في هذه الحروب. ولذلك فإن بوادر انسحاب أميركي آخر قبل حلول الانتخابات الرئاسية القادمة عام 2012، بات شبه مؤكد، وفي هذه الحال سيحاول أوباما إقناع ناخبيه بأنه تمكن من سحب الجنود من ميادين الوغى خلال فترة رئاسته الأولى، التي يتمنى أن يمددها لأربع سنين أخرى. وستعول الولايات المتحدة على القوى والجيوش المحلية التي ستتركها تتدبر أمورها في كل من العراق وأفغانستان، والسؤال المحيّر، هل ستتمكن هذه الجيوش المحلية من أن تتحول إلى جيوش قوية قادرة على حفظ النظام والأمن في بلدانها، أم أننا سنرى صومالاً أخرى في كل من العراق وأفغانستان.