القرار الذي أصدره الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، مؤخراً، بإنشاء "مركز أبوظبي للتعليم والتدريب التقني والمهني"، يشكّل خطوة مهمّة نحو ربط التعليم باحتياجات سوق العمل، فضلاً عن كونه يتماشى مع استراتيجية تطوير التعليم، خاصة المهني والتقني، الذي بات إحدى أهمّ ركائز العمل والإنتاج في كثير من المجالات. المركز الجديد ستناط به مهمّة النهوض بقطاع التعليم والتدريب التقني والمهني، وتعزيز فرصه، وتنويعها من خلال التخطيط ورسم الاستراتيجيّات والسياسات الخاصة، وذلك لتحقيق هدف رئيسي هو إعداد الطاقات البشرية المدرّبة من الفنيين المتخصصين وفقاً لمتطلبات سوق العمل، وهذا أمر ينطوي على قدر كبير من الأهميّة، لأن إيجاد قاعدة من الكوادر المواطنة المؤهّلة بشكل جيد في المجالات المهنية والتقنية يستجيب لخطط أبوظبي نحو بناء قاعدة صناعية كبيرة، والتوسّع في خصخصة العديد من القطاعات المهمة التي أصبحت تتطلّب عمالة نوعية ماهرة تمتلك أدوات المعرفة والتكنولوجيا المتقدمة، وهي المجالات التي ستحظى باهتمام المركز الجديد. إن تجارب الدول المتقدّمة في مجال التنمية تشير إلى أن التعليم المهني والتقني والفني كان إحدى الركائز الأساسيّة وراء نهضتها وسر نجاحها، وهذا ما يدركه القائمون على التخطيط للتعليم في أبوظبي والإمارات بوجه عام، إذ إن هناك توجّهاً عامّاً إلى أن تواكب مسيرة التعليم المهني والفني الطفرة الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها أبوظبي في مختلف المجالات، على أساس أن هذه النوعية من التعليم أصبحت إحدى الدعامات الأساسية للقدرات التنافسية للاقتصادات المختلفة، باعتبار أن التنافسيّة الحقيقيّة أصبحت تتركز على المقدرة على تخريج عمالة نوعية مدرّبة تلبي الاحتياجات، وتتماشى مع احتياجات أسواق العمل، وتخضع لقواعدها ومتطلباتها، ولهذا أصبح من الضروري أن تتواءم أنظمة التعليم المختلفة، خاصة المهنيّة والفنيّة والتقنيّة مع متطلبات سوق العمل، التي تفرض باستمرار على الكادر البشري تطوير ذاته وأدواته ومفاهيمه، كي يحافظ على تنافسيّته في سوق العمل، التي تفرض شروطها على المتعاملين معها، وتتخلّى تدريجيّاً عن العمالة التقليدية، وتنتقل بقوة نحو الاعتماد على عمالة موسوعيّة مرنة قابلة لأداء أكثر من عمل، والتأقلم مع أكثر من مهنة، واستيعاب ما يطرأ من تقنيات تكنولوجية في مجال العمل. إن التوجّه نحو الاهتمام بالتعليم المهني والتقني وإيجاد قاعدة من الكوادر المواطنة في المجالات المختلفة المرتبطة به، يستجيب أيضاً لخطط التوطين التي أصبحت تتطلّب عناصر بشرية مدربة قادرة على المنافسة، خاصة في مجالات العمل الفني والتقني التي كانت تسيطر عليها العمالة الوافدة، ولا شكّ في أن الدور التأهيلي والتدريبي المأمول أن يقوم به "مركز أبوظبي للتعليم والتدريب التقني والمهني" سيسهم بلا شكّ في رفع قدرات المواطنين التنافسية في سوق العمل، سواء في القطاع الحكومي أو الخاص، لأنه سيركّز على التدريب باعتباره عنصراً رئيسيّاً للمنتسبين إليه، كما سيهتم بإجراء البحوث التطبيقية وتطبيقها، وتطوير الشراكات الاستراتيجيّة مع الجهات والمؤسسات الحكوميّة والقطاع الخاص ومؤسسات التعليم والتدريب المختلفة في الإمارة، وهذا لا شكّ في أنه سيكون له أثره الإيجابي في رفع القدرات الخاصة للمواطنين، وجعلهم أكثر تنافسيّة، بالشكل الذي يجعلهم على أتم الاستعداد للالتحاق بسوق العمل، والمشاركة بفاعلية في تنفيذ خطط التنمية في مختلف المجالات.