سألت مفكراً سعودياً عن القصيبي فمدحه، ويقول صاحب كتاب "القوة" روبرت غرين اثنان لايُحسدان الأموات والآلهة. وحين استعرض عالم الاجتماع العراقي الوردي تاريخ المنطقة تحدث عن شخصية الملك عبد العزيز مؤسس المملكة العربية السعودية فقربني من فهمه بشكل رائع. قال الوردي إنه نجح بفعل خلطة تشمل: الشخصية الكارزمية والتوفيق. وهذا المنحى اشتغلت عليه مجلة دير شبيجل الألمانية، فشرحت فكرة مؤرخ يقول: ماذا لو لم يولد نابليون وبسمارك وهتلر؟ فهذه أقدار كونية لعب البشر الأفراد دوراً عجيباً في رسم مصائر أمم لا يكاد المرء يصدق أن يحدث مثل هذا. وأنا أنظر في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم، فأقول نزل عليه الوحي، فاجتمع العنصران من المرسل والمتلقي فاتقدت صحراء العرب بنور النبوة وتغير التاريخ، والله أعلم حيث يجعل رسالته.. ومنه نفهم صدمة عمر مع وفاة النبي؛ فالموت في نظر عمر لا يتناول مثل هذه الشخصية القوية النادرة، فلما استوعب الحقيقة من آية نطقها أبو بكر، وهي آية يقرأها كل ليلة خر صعقا فلما أفاق قال: تُبت إليك ربي. لذا كان من الأهمية بمكان تأمل جوانب الضعف في البشر الذي يسري عليهم ما يسري على كل بني آدم، جنباً إلى جنب مع الرفعة والعظمة والتألق والعفاف والتقوى والزهد والطهارة، ولكنها مخططات بيانية تصعد وتنزل، مثل الترمومتر الحراري حين نقيس به درجات الحرارة فهي تهبط وتصعد وتغلي مع الحمى وتتكسر مع الهايبوثيرميا (انخفاض درجة الحرارة بالصقيع وما شابه). وكذلك أديسون الأميركي وجيمس واتسون كاشف الكود الوراثي، فقد تبين أن الرجلين سرقا جهد غيرهما ورصوا به تاريخهما. وهناك من حدثني فقال: كل من رأيته صغر في عيني إلا مالك بن نبي، كل ذلك بسبب غياب الكلفة والشعور بأنه بشر ممن خلق، لذا فإن ملك الإنكا وجماعة المحجبات في سوريا لا يرون الملك بسبب الاحتجاب عن العبيد والأتباع، وهو القانون النفسي بالتعجب من الغريب حتى إذا أدركنا سره زال العجب وبطل الغريب. وأنا لي صديق كان يعظمني، حتى إذا اجتمعت به أرسل لي رسالة بعد الوداع يقول فيها إنني أستغللته لأغراضي الدنيئة، والأمر ليس هذا ولا ذاك وإنما اختلط الأمر على صديقي فرآني في الصورة البشرية أمرض وأعاني وأحب وأكره وأكسل وأنشط، فسقطت الهالة وتكسرت المعجزة. "ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور؟ ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير". وكتب صديقي مقالة جميلة تصلح أن تكون قانوناً نفسياً بعنوان "سحر الغياب وهالة الغموض"، ومنه قالت العرب في الأمثال تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، فمن أراد أن يصبح مهماً عظيماً مهولًا مخيفا فليقلل الكلام والظهور على الناس؟