لم تعد الخلافات والسجالات بين الزعماء السياسيين في العراق نوعاً من التنافس بين حزبين سياسيين بالطريقة التقليدية المتعارف عليها بين الدول التي تتبع النهج الديمقراطي. ولو فندت طبيعة تلك الخلافات، خاصة بين الكتلتين السياسيتين المتنافستين - دولة القانون والعراقية - لكشفت عن حالة انفصال تام بين ما يتم عند السياسيين وبين المجتمع، بل ويظهر عدم الاكتراث بما يحدث في المجتمع، خاصة مع تردد أنباء عن عودة المتشددين من الطائفتين السنة "القاعدة" والشيعة. فالصراع الدائر منذ انتهاء الانتخابات ليس على برنامج سياسي كما هو متعارف عليه في الدول الديمقراطية لخدمة الشعب، بقدر من سيحكم العراق، كون منصب رئيس الوزراء هو المنصب غير الشرفي، وكأن لكل واحد نواياه التي تختلف عن الشعب العراقي. حتى الآن، الكتلتان الاثنتان عاجزتان عن التوقف عند منتصف الطريق والاتفاق على الحد الأدنى من التوافق بينهما في سبيل المحافظة على المصلحة العليا للوطن وكيفية الخروج من المأزق الأمني الذي يعيش فيه. وما نجده ونراه الآن من التشكيلات السياسية العراقية يعيد الدولة إلى المربع الأول، رغم مرور أكثر من خمسة أشهر على انتهاء الانتخابات. الاستنتاج الواضح أن هناك إحساساً بأن التنازل عن رئاسة الحكومة العراقية، سواء من "دولة القانون" بقيادة نوري المالكي، أو "الكتلة العراقية" أياد علاوي، يعني فوز طرف على الآخر، وهذا ما لا يقبله أي منهما ضمن المعادلة الصفرية؛ لذا تجد كل طرف يتشدد في موقفه بعيداً عن المبادئ الديمقراطية المتعارف عليها، حيث لا غالب ولا مغلوب في اللعبة السياسية، خاصة عندما يصل الأمر إلى استقرار وطن. فهذا خط أحمر تذوب دونه كل الخلافات الشخصية، حيث دخلت الخلافات بين القوى السياسية العراقية برغم كل محاولات التوفيق بينها مرحلة الصراع والانقسام، وأصبح العراق اليوم يعاني أزمة سياسية أقرب إلى أن تكون طائفية بدلاً من تغليب المصلحة الوطنية وتقديم تنازلات سياسية من أجل تفويت فرصة التدخل في الشؤون الداخلية على القوى الخارجية وبعض المخربين الرافضين لاستقرار العراق. بل هناك شعور بعدم التفكير بمصير الناس العاديين، وانتشر إحساس بعدم الجدوى من المشاركة السياسية، خاصة وأن هذا الإحساس بدأ يصل إلى الأجهزة الأمنية والجيش، وهو ما ينبئ بمستقبل خطير لاستقرار العراق وبالتالي المنطقة. فالتفجيرات التي حدثت في العراق قبل أسبوع دليل على تراخي تلك الأجهزة وربما غياب الوازع الوطني لدى بعضها، بسبب عدم وضوح الرؤية السياسية. إصرار كل من القوتين، "دولة القانون" و"العراقية" وغيرهما من القوى السياسية، أفشل كل المحاولات الإقليمية والدولية لتحقيق تقارب بين الفرقاء، ودخل كل طرف ضمن سياسة عض الأصابع، التي بها يحاول كل طرف فرض إرادته وقوته على الطرف الآخر في انتظار أن يصرخ ويتنازل للأول، دون أي حساب للشعب العراقي. والخوف الآن من اندفاع العراق إلى المجهول، وعودته إلى مرحلة "عدم الاستقرار"، وهناك مؤشرات تؤكد ذلك. وبالإضافة إلى عودة مسلسل التفجيرات والاغتيالات السياسية، فإن عودة "أبو درع" الملقب بـ "زرقاوي الشيعة"، وما تردد عن اجتماعات لقادة تنظيم "القاعدة" كـ "أبو معاذ الراوي" و"أبوسارة العبيدي"، وما زرعه من مخاوف لدى الشعب العراقي يؤكد أن العراق سيكون ساحة مفتوحة لكل الاحتمالات والسيناريوهات، والسبب صراعات زعامات سياسية عراقية!