أيها القوم! نحن متنا ولكن أنفت أن تضمنا الغبراء قل لـ"آيات": يا عروس العوالي كل حسن لمقلتيك الفداء قصيدة أثارت أزمة دبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وبريطانيا كيف لا وقائلها هو السفير السعودي في لندن آنذاك الدكتور غازي القصيبي معلناً موقفاً صارخاً بخصوص العمليات الاستشهادية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فبعد أن نفذت شابة فلسطينية اسمها آيات الأخرس عملية فدائية قال قصيدة بعنوان "الشهداء" في مطلعها "يشهد الله أنكم شهداء.. يشهد الأنبياء.. والأولياء، متم كي تعز كلمة ربي في ربوع أعزها الإسراء". ولتنطلق حملة انتقادات واسعة حملت رايتها الصحافة البريطانية والجماعات اليهودية حيث بعث رئيس مجلس "نواب اليهود البريطانيين" برسالة عبر فيها عن "صدمته" حيال تأييد السفير السعودي للعمليات الفدائية الفلسطينية. وقال القصيبي آنذاك إنه مستعد لتغيير رأيه إذا ما تحلى مجلس "نواب اليهود البريطانيين" بالشجاعة الأخلاقية ووصف رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك شارون والحكومة الإسرائيلية بأنهم إرهابيون. مذكراً إياهم بأن لجنة إسرائيلية للتحقيق في جرائم صبرا وشاتيلا كانت قد حملته المسؤولية عن قتل نحو 2000 فلسطيني بريء في مخيمي صبرا وشاتيلا في بيروت عام 1982، قائلا إنه حينئذ سيكون مستعداً لإعادة النظر في موقفه حيال الفدائيين الفلسطينيين. يومها عنفته وزارة الخارجية البريطانية وأدانت الولايات المتحدة تصريحاته، حيث اعتبرتها تحريضاً على الجهاد وتشجيعاً على العمليات الاستشهادية ، فبشجاعة الأديب أعلن سعادة السفير رأيه صريحاً، ليعود على إثرها لوطنه وليتقلد مباشرة منصباً وزاريّاً. كان المقال السياسي في صحيفة "الشرق الأوسط" بوابتي للتعرف على الدكتور غازي القصيبي الدبلوماسي، فقد كان يشغل منصب السفير السعودي في البحرين، والكاتب السياسي، ومن "عين العاصفة " أطل القصيبي كاتباً للمقال السياسي إبان الغزو العراقي للكويت عام 1990، وسخر قلمه سلاحاً للمقاومة الكويتية رافضاً الاحتلال العراقي، وأطل الشاعر قائلا: "أقسمت ياكويت برب هذا البيت سترجعين من بنادق الغزاة" فلمع نجم الدبلوماسي الصاخب في الحق عبر سلسلة مقالات ومحاضرات. ولم تكن مقالاته السياسية في بداية التسعينيات بمعزل عن الصراع الفكري الدائر في منطقة الجزيرة العربية بين تيارات الحداثة والتيار الديني بأطيافه المتعددة فتجلى الكاتب السياسي الليبرالي في طرحه وحواراته. كانت لإبداعه الأدبي أصداء ثقافية كما كانت لمقالاته السياسية إبان حرب الخليج الثانية أصداء سياسية مثيرة عاصفة في صحرائنا السياسية، فحركت رواياته الساكن والمألوف وفتح الباب على مصراعيه أمام الرواية السعودية لتنطلق في فضاءات الحرية، وتتخطى المألوف لتناقش المسكوت عنه بوعي رصين، وفهم عميق ومغاير للواقع الاجتماعي، فكان لابد أن تصيبها سهام من بعض المحافظين من الحرس القديم، فلم يسلم ولم تسلم كتاباته من التجريم والتحريم والمنع. ومن المفارقة أنه كان وزيراً ومعظم كتبه ظلت خارج نطاق النشر في المملكة العربية السعودية لسنوات. فكانت للحرية شقة فتحها الراحل غازي القصيبي قيل هي مقتطفات من سيرته الذاتية، شقة الحرية شرفة للمعرفة على جيل عربي عاصره الكاتب عاش الغليان السياسي في مرحلة الاستقلال والتحرر والتيارات الفكرية. أرخت الرواية لوعي شاب خليجي كان في عين العاصفة شهد الحلم العربي والانكسارات العربية، رواية، بشهادة النقاد، فتحت الباب على مصراعيه لثورة في عالم الرواية السعودي. وقد مزج في شخصه فهماً عميقاً للمجتمع السعودي وانفتاحاً على الحياة في الغرب فكان الدبلوماسي الشاعر والأديب. الدكتور غازي القصيبي السياسي والأديب.. طبت حيّاً وميتاً.