خلال الأسبوع الحالي، احتفلت الهند والصين وباكستان -الدول الأعلى كثافة سكانية في العالم- بمناسبة مرور ما يزيد على 60 عاماً على استقلالها من هيمنة النفوذ الأجنبي. وبينما حصلت الصين سلفاً على امتياز العضوية الدائمة بمجلس الأمن الدولي خلال الفترة المذكورة، لا تزال الهند تواصل مساعي اللحاق بها عبر مجموعات الضغط المؤيدة لها، والممثلة في الدول الآسيوية والأفريقية ودول أميركا اللاتينية. ولا شك أن كلاً من الهند والصين قد حققتا تقدماً كبيراً خلال العقود الستة الماضية، لا سيما بروزهما باعتبارهما قوتين ماقتصاديتينستقبليتين، رافعتين للنمو الاقتصادي العالمي. ومع ذلك، ترسم الحقائق المرسومة على الأرض صورة مختلفة جداً عن هذه الدول الثلاث. وتمثل النزاعات على الأرض والحدود بين الدول الثلاث، عائقاً رئيسياً أمام النمو الاقتصادي، ما يزيد من معاناة ملايين المواطنين الذين يقطنون في المناطق الحدودية المتنازع عليها. فعلى سبيل المثال، لمنطقة "لداخ" الهندية حساسيات خاصة بسبب حدودها المشتركة والمتنازع عليها مع باكستان والصين. وتقع بلدتها الرئيسية "ليه" السياحية الفاتنة على ارتفاع 3524 متراً فوق سطح البحر، في منطقة جبال الهملايا، بينما تبلغ مساحتها 45110 كيلومترات مربعة. وبسبب حدة النزاعات الحدودية عليها، فقد ضربت عليها حصون دفاعية منيعة. وأنفقت البلدان الثلاث مليارات الدولارات في شراء أحدث الأسلحة وأشدها فتكاً لحماية الخطوط الحدودية المتنازع عليها، دون أن تنتبه أي منهما لجانب التنمية الاقتصادية، ولخير ورفاه ملايين المواطنين الذين يقطنون فيها، ولا إلى ما يمكن أن تسهم به هذه البلدة الساحرة الواقعة في الجانب الكشميري من جبال الهملايا في تحسين مستوى معيشة حياة المواطنين بما يمكن أن تدره عليهم من عائدات سياحية هائلة.وتشهد هذه المنطقة برمتها في الوقت الحالي، أحد أسوأ كوارث الفيضانات خلال العقود الماضية. فقد تأثرت بها ثلاثتها، إذ بلغ عدد القتلى الهنود والصينيين والباكستانيين جراءها الآلاف، بينما تأثر بها ملايين المواطنين في الدول الثلاث. ويتوقع للدمار المروع الواسع النطاق الذي ألحقته الفيضانات بالمنطقة أن تكون له تأثيراته الكارثية بعيدة المدى . باكستان وحدها، شهدت أسوأ فيضانات خلال الثمانين عاماً الماضية، وتأثر بها نحو 14 مليوناً من المواطنين، بينما حصدت أرواح ما يزيد على ألفي ضحية. ووفقاً للتقديرات الأولية لحجم الكارثة، فقد دمرت الفيضانات حوالي نصف مليون منزل، أو ألحقت بها أضراراً بالغة، في حين غمرت المياه مساحات مزروعة بالقمح ومختلف المحاصيل الزراعية الأخرى، تقدر بنحو 105 آلاف كيلو متر مربعة. ووفقاً لتقديرات الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، فإن ما يزيد على ثمانية ملايين مواطن باكستاني، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية الطارئة. ومثلها تشهد الصين الفيضانات الأسوأ خلال المئة عام الماضية من تاريخها، لا سيما في محافظة "جانسو" الواقعة شمال غربي الصين. ووفقاً للإحصاءات المتوفرة الآن، فقد لقي نحو 1500 مواطن مصرعهم، بينما يتجاوز عدد المفقودين بين أمواج المياه والانزلاقات الأرضية، الألف فقيد. وربما تتجاوز الخسائر الناجمة عن هذا الفيضان في الصين، ما قيمته 50 مليار دولار. وفي الجوار الصيني- الباكستاني، ضربت الفيضانات بلدة "ليه" الكشميرية، نتيجة انهمار أمطار غزيرة مفاجئة، لتسفر عن مصرع ما يزيد على 300 فرد، بينما لا يزال ما يربو عن 400 من سكان البلدة في عداد المفقودين. إلى ذلك جرفت مياه الفيضانات البيوت والمحال التجارية والفنادق والمكاتب الحكومية، وحتى المعسكرات التابعة للجيش. وبلغ حجم الدمار في البلدة المذكورة صورة يصعب تخيلها، إذ تأثرت جميع الجسور الصغيرة والمنشآت العسكرية، وكذلك خطوط الاتصالات. وعلى رغم أن كارثة الفيضانات هذه تعد طبيعية، وأن العلماء قد فسروها باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من خطر التغير المناخي، فإن حجم الدمار ومصرع الآلاف من المواطنين، يقفان دليلاً على إهمال لمواطني الدول الثلاث من قبل حكوماتهم، بسبب عدم الاهتمام بتطوير البنية التحتية اللازمة لدرء مثل هذه الكوارث الطبيعية غير المنظورة. ووفقاً لما تقوله السلطات المحلية، فقد أسفرت كوارث الفيضان في "ليه" عن أضرار اقتصادية بالغة. وتقول السلطات إن إصلاح الدمار الناشئ عن الفيضانات في البلدة، سوف يستغرق خمس سنوات على أقل تقدير. ومع ذلك تظل الأوضاع المأساوية الكارثية الناشئة عن الدمار، الأسوأ في باكستان، قياساً إلى ما خلفته الفيضانات من دمار في جارتيها الهند والصين. والمشكلة أنه ليس في وسع باكستان، التي تأثرت سلباً بأعمال الإرهاب التخريبية، أن تواجه كارثة طبيعية كهذه بمفردها. وتواجه إسلام آباد كارثة إنسانية دعت الأمم المتحدة إلى مناشدة الدول الأعضاء لتوفير مبلغ 460 مليون دولار تقدم في شكل مساعدات إنسانية لباكستان. ووفقاً لبرنامج الغذاء العالمي، فإن هناك نحو 1.8 مليون مواطن باكستاني بحاجة طارئة للمأوى والغذاء. ولم تجد إسلام آباد من بديل آخر لطلب المساعدات الدولية. ولكن المشكلة أن الأزمة المالية العالمية التي لا تزال تلقي بظلالها على جميع الدول المانحة، تبطئ كثيراً تدفق المساعدات هذه إلى باكستان. وفي الوقت نفسه ألحقت الفيضانات أضراراً اقتصادية فادحة بالمحاصيل الزراعية الباكستانية النقدية، خاصة القمح وقصب السكر والأرز. والواضح أن الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الفيضانات التي ضربت الدول الثلاث، تبلغ مليارات الدولارات، وأن تعويض هذه الخسائر والعودة إلى الأوضاع الطبيعية فيما بعد كوارث الفيضانات سوف يستغرق عدة سنوات. ويتعين على حكومات نيودلهي وبكين وإسلام آباد، الاهتمام بالتنمية الاقتصادية للمناطق المتأثرة، وتشييد البنية التحتية الأساسية اللازمة لحماية المواطنين، بدلاً من انفاق الأموال الطائلة في تحصين دفاعاتها العسكرية.