يبدو، وعلى نحو متزايد، أن مجلس الشيوخ الأميركي لن يصادق هذه السنة على معاهدة خفض الأسلحة الاستراتيجية الجديدة والمعروفة اختصاراً بـ"ستارت الجديدة". والمفارقة أنه في حال عدم التصديق على المعاهدة، كما هو متوقع، سيتحمل مؤيدوها الجزء الأكبر من المسؤولية في عدم تمريرها، فمنذ البداية عمل مساندو "ستارت الجديدة"، على صياغة المسألة وكأنها لا تخرج عن اثنين، فإما أن يُصوّت عليها المجلس بالإيجاب، أو يصوت بالسلب، مع اتهام المتحفظين كما قال رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، جون كيري، عن الحاكم السابق "ميت رومني" واصفاً معارضته للمعاهدة بأنها مبنية على "أساس ضيق وغير واع تحركها اعتبارات سياسية"، والحقيقة أن هذا التفسير الذي يحلو لـ"الديمقراطيين" الاستشهاد به للضغط على "الجمهوريين" في المجلس ودفعهم إلى التصويت لصالح المعاهدة ينطوي على تبسيط مخل للطريقة المعقدة التي يعمل بها عادة مجلس الشيوخ قبل التصديق على المعاهدات، فبالإضافة إلى التصويت بنعم أو لا، يمُنح أعضاء مجلس الشيوخ فرصة التصويت بـ"نعم مشروطة..."، بحيث تغطي الجملة الشرطية تلك المخاوف التي تنتاب أعضاء المجلس والتي يتعين معالجتها قبل وضعهم ختم الموافقة على الوثيقة النهائية للمعاهدة وتمريرها لتصبح ملزمة للطرفين، لكن ما يحصل الآن أن المتحمسين الذين يسعون بكل السبل إلى تأمين موافقة مجلس الشيوخ غالباً ما ينكرون على أعضائه هذا الخيار الثالث، معتقدين، خصوصاً في حالتنا هذه حيث "الديمقراطيين" يتوفرون على أغلبية، أنهم قادرون على الدفع بالمعاهدة بصرف النظر عن تحفظات مجلس الشيوخ. وإذا كانت هذه الطريقة التي يريدها "الديمقراطيون" قادرة في بعض الأحيان على تسهيل عملية المصادقة والتسريع بها، إلا أنها في أوقات أخرى تمنى بالفشل الذريع مثلما كان عليه الحال بالنسبة لمعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية في العام 1999، ففي تلك الحالة هدد السيناتور "بايرون دورجان" بإعاقة كل أعمال مجلس الشيوخ إذا لم يوافق "الجمهوريون" على تحديد جلسة للتصويت بنعم، أو لا على المعاهدة والانتهاء منها، فما كان من "الجمهوريين" إلا أن أذعنوا لتهديد السيناتور "دورجان" واضطروا للاختيار بين أمرين فجاءت النتيجة 48 صوتاً لصالح المعاهدة و51 ضدها، حينها أدرك العديد من المطالبين بمراقبة التسلح والحد منه الخطأ الفادح الذين ارتكبوه وأدى في النهاية إلى رفض معاهدة يُفترض أنها تراقب عملية التسلح، وبدؤوا يقارنون بين فشلهم في معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية وبين النجاح الذي أحرزوه قبل عامين في معاهدة الأسلحة الكيماوية. وعندما كان المجلس يدرس بنود تلك المعاهدة، أدرك العديد من المتحمسين لها وجود تحفظات قوية لدى بعض أعضاء المجلس تستحق الانتباه، لذا انخرط المؤيدون في محادثات مطولة مع المتحفظين دامت شهوراً عديدة، حيث رصدت نقاط الاختلاف والمخاوف وضُمنت في الصيغة النهائية للمعاهدة ليتم في الأخيرة المصادقة عليها بـ74 صوتا مقابل 26 صوتاً، لكن يبدو اليوم أن تلك الدروس نسيت تماماً، فقد أصر مؤيدو "ستارت الجديدة" على موقفهم ورفضوا التعاطي الإيجابي مع المتحفظين، وعندما طالب العضوان "الجمهوريان" في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ إطلاعهما على سجل المفاوضات حول المعاهدة قوبل طلبهما بالرفض، وعندما أيضاً كتب عضو "جمهوري" في اللجنة إلى "جون كيري" طالباً منه استدعاء تسعة شهود للإدلاء بشهادتهم حول المعاهدة لم يستدعَ سوى شاهد واحد من أصل عشرين شاهداً استدعتهم اللجنة. وبما أن هذه المطالب تصدر عن أعضاء في مجلس الشيوخ تعتبر أصواتهم ضرورية لتأمين ثلثي الأصوات اللازمة لتمرير الاتفاقية فإنه من الغريب فعلا رفض طلباتهم، ومن غير المعروف كيف سيصادق على المعاهدة في هذه الحالة، فإذا لم يشرك المعارضون في العمليات الإجرائية السابقة على التصويت النهائي، فإنهم أيضاً لن يوافقوا على المسائل الجوهرية، وبالطبع يدعو التصلب "الديمقراطي" للأسف لأن أغلب تحفظات "الجمهوريين" في مجلس الشيوخ تدور حول نقاط مهمة يمكن التوافق حولها وصياغتها بطريقة مناسبة ترضي جميع الأطراف، فعلى سبيل المثال يتوجس العديدون من الهيئة الاستشارية التي تنشئها المعاهدة، والتي يمكن أن تمنح صلاحيات تجعلها تفرض قيوداً على الولايات المتحدة، وهو الأمر الذي يمكن معالجته بتوضيح حدود اشتغال تلك الهيئة وضمها إلى نص المعاهدة، وبالمثل يتخوف البعض من أنه خلافاً لمعاهدات سابقة لن تشمل "ستارت الجديدة" بعض الأنواع من الصواريخ الروسية، ومع أن إدارة أوباما تنفي هذا الاستثناء، إلا أنه لمزيد من الاطمئنان يتعين رهن المصادقة على المعاهدة بتأكيد الحكومة الروسية على التفسير الأميركي بأنه لا توجد صواريخ مستثناة، ويمكن أيضاً معالجة المخاوف المتعلقة بالحد من الصواريخ الدفاعية الأميركية ذات الطبيعة التقليدية بتوضيح هذه المسألة والإشارة إليها في بنود المعاهدة، لذا أعتقد بأن العمل مع المعارضين وإدراج تحفظاتهم ضمن نص المعاهدة هو الطريق المثالي لتأمين أصوات الحزبين معاً وتمريرها بالأغلبية المطلوبة، وهو أمر يستدعي الكثير من الصبر والاحترام للآراء المعارضة لم نشهد مع الأسف الكثير منه حتى الآن، وإذا ما استمر الوضع الراهن داخل المجلس فإن اصطفافاً حزبياً سيقسم الأصوات بين رافض للمعاهدة وموافق عليها ما سيؤدي في النهاية إلى فشل المصادقة عليها، وفي حال حصل ذلك لن يكون من العدل إلقاء اللوم على الرافضين، إذ من المهم التساؤل أيضاً عما إذا كان المؤيدون قصروا في مد يد المساعدة بالتمترس وراء خيار "نعم" أو "لا" بدلا من طرح بديل"نعم شريطة.." ستيفن رادميكر مساعد سابق لوزير الخارجية الأميركية بين 2002 و2006 ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست"