نسب مؤخراً للجنرال بترايوس، الرجل الذي خلف مرؤوسَه السابق في القيادة المركزية، ماكريستال، بعد إقالة هذا الأخير الشهر الماضي بسبب انتقاده رؤسائه المدنيين، نفيه القاطع لأن يكون أوباما قد أصدر له تعليمات بـ"البحث عن خروج مشرف" من حرب أميركا ضد "طالبان"، مؤكداً أنه مصمم على الفوز؛ ويحتاج إلى وقت وموارد إضافية من أجل النجاح، كما يقول. ولكن في نهاية أغسطس أو أوائل سبتمبر، ومع "تحسين" مخطط الحملة الذي رسمه هو وماكريستال، فإن الانتصار سيكون قريباً. عندما انتُخب في أواخر 2008 بعد وعود انتخابية بخوض "الحرب الصحيحة" في أفغانستان وإنهاء الحرب غير الصحيحة في العراق، وجد أوباما لدى وصوله إلى البيت الأبيض أن بترايوس، القائد في العراق وأفغانستان، قد أعد مخططاً كان متوقعاً من أوباما العسكري المبتدئ أن يتبعه. وقيل للرئيس الجديد حينها إن ماكريستال، القائد العسكري المقبل في أفغانستان، سيذهب إلى كابول من أجل إجراء مشاورات ثم يعود إلى واشنطن من أجل تقديم المخطط الذي كان الجنرالان -ومن معهما من موظفين- قد أعداه سلفاً. ويدعو هذا المخطط إلى "زيادة" جديدة في عديد الجنود يبلغ حجمها أكثر من 100 ألف جندي، إضافة إلى ما أصبح لاحقا قوةً مماثلة تقريباً من المتعاقدين العسكريين المدنيين، وهم أقل تكلفة من الجنود العاديين، وكثير منهم غير أميركيين. وقد سأل أوباما الجنرالين عما إن كان هذا المخطط يضمن فوز الولايات المتحدة في أفغانستان في غضون عام، وذلك حتى يتسنى للأميركيين حينها بدء الانسحاب من ذلك البلد في يوليو 2011. وكانت الإجابة على ما يبدو: "ليست ثمة مشكلة يا سيدي". وعلى رغم كون الإجابة بعيدة الاحتمال، إلا أن ذلك هو ما قالت الصحافة والمتحدثون باسم الإدارة إن الجنرالين وعدا به أوباما، الذي صافحهما بحرارة وقال إن الأمور تبدو على ما يرام. ولكن وزير الدفاع روبرت جيتس يبدو أنه الشخص الوحيد، عدا بعض الصحفيين والمنتقدين الآخرين، الذي ما زال يتذكر هذا الوعد. إذ بعدما ألمح بترايوس خلال مقابلاته الصحفية التلفزيونية الأحد الماضي إلى أن انسحاب القوات الأميركية بعد عام من اليوم قد يكون مبكراً، خرج "جيتس" ليقول إن الوعد الذي قدمه القادة العسكريون للرئيس في 2009 سيتم الوفاء به (يذكر هنا أن جيتس، وهو من "الجمهوريين"، قد لا يكون في واشنطن حين يحل ذلك الموعد المحدد). وقد شكل ذلك تناقضاً صارخاً جداً في وقت تجاوز فيه عدد الإصابات العسكرية الأجنبية في أفغانستان منذ الغزو الأميركي في 2001 سقف الـ2000، وارتفعت الإصابات المدنية الأفغانية بشكل حاد، وفق تقرير للأمم المتحدة، ومعظمهم قُتل من قبل المتمردين (حيث حاول "الناتو" تحت قيادة ماكريستال والآن بترايوس، الحد من استعمال الضربات الجوية بهدف تفادي الإصابات المدنية). وعلاوة على ذلك، فقد بدأ "الناتو" يتنازل عن مراكز عسكرية مؤخراً ويجد صعوبة في الحفاظ على المناطق التي انتزعها من المتمردين نظراً لممارسة تقليدية درج عليها الخصم وتتمثل في السماح للجنود الأجانب باحتلال منطقة ما، قبل اختراق خطوط "الناتو" لاحقاً وإحداث تأثيرات مدمرة في بعض الأحيان. وبموازاة مع ذلك، غادر الهولنديون قيادة "الناتو" بسبب الضغط الشعبي داخل بلادهم، ومن المرتقب أن يحذو حذوهم الكنديون قريباً. كما أن الحكومة البريطانية الجديدة غير سعيدة بالوضع على كل حال، ويرى عدد من الحكومات الأوروبية أن الأمر يتعلق بحرب سامة سياسية لا طائل من ورائها، ومن المستحيل، بحكم طبيعتها، "الانتصار" فيها. ولكن، من يستسلم لمن؟ الأفضل، في رأيي الشخصي، ترك كرزاي (الذي قال إنه يريد من المتعاقدين العسكريين الأجانب مغادرة البلاد بنهاية هذا العام) يواصل محاولاته للتفاوض مع "طالبان"، وتشجيع الدول الهشة المجاورة لأفغانستان بالعمل على تطوير ترتيبات أمنية إقليمية. ولكن الحرب في أفغانستان لا تتم إطالة أمدها من قبل إدارة أوباما فحسب، بل إن بعض رموز تيارات النزعة العسكرية التي ما زالت هي القوة المهيمنة بين الطبقة السياسية الأميركية في واشنطن (وبعض الديمقراطيين منخرطون فيها)، بدأوا يتحدثون اليوم للصحافة حول الاستعمال الجديد لـ"المشرط" بدلا من "المطرقة". فهذا جون برينان، الذي يقال إنه المستشار الأول للرئيس في محاربة الإرهاب، يقول إن هذا برنامج دولي لاغتيال الأفراد الذين هم "أعداء للأميركيين"، يراد له أن يصبح أداة "متعددة الأجيال" في حرب أميركا، الدائمة على ما يبدو، لتحقيق السلام. ويتم الترويج لهذا حاليّاً بين المواطنين كفكرة أفضل من غزو بلدان مثل اليمن أو الصومال أو موريتانيا، وقلب حكوماتها، وتنصيب رئيس غير مؤثر، وبناء نظام ديمقراطي من العدم. ومن بين مهمات الاغتيال السياسي التي نُفذت مؤخراً واحدة استهدفت "القاعدة في اليمن" -وهو الاسم الجديد لواحد من الفصائل الكثيرة التي تخوض حروباً إقليمية وطائفية وقبلية وإيديولوجية في ذلك البلد منذ انهيار الإمبراطورية العثمانية في 1922 (وربما منذ حكم ملكة سبأ في القرن العاشر قبل الميلاد). غير أن الهجوم قتل، إلى جانب أشخاص آخرين، حاكمَ المحافظة الذي يحظى باحترام وتقدير كبيرين، والذي كان يزور المقاتلين من أجل إقناعهم بالتخلي عن الحرب. وقد غضب الرئيس اليمني جداً من الأميركيين ودفع دية للقبيلة التي ينتمي إليها المتوفي. وفي ديسمبر الماضي، كانت مهمة أميركية "جراحية" أخرى في اليمن استهدفت معسكراً مفترضاً لـ"القاعدة" في الصحراء، استُعملت فيه القنابل العنقودية (المحظورة دوليّاً، ولكن الولايات المتحدة ما زالت تستعملها من أجل الفعالية). ولكن الهجوم امتد إلى مخيم مجاور للسكان الرحل في الصحراء. وبسرعة، جرى إرسال صور الأطفال والنساء القتلى إلى تلفزيون "الجزيرة"من قبل المتمردين المدركين لتأثير الصورة، والبارعين في استخدام وسائل الإعلام. هذا هو ما يحدث، على الطريق المرير والصعب، في بحث أوباما والبنتاجون عن طريقة أفضل لخوض حرب يقال إنها من أجل الديمقراطية! ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ويليام فاف محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "تريبيون ميديا سيرفيس"