يقول الكاتب والمفكر اليساري المصري الدكتور سمير أمين في كتابه الذي نعرضه هنا، وعنوانه "في نقد الخطاب العربي الراهن"، إنه يرمي من وراء تأليفه إلى إظهار التباس المفاهيم المستخدمة في ذلك الخطاب، وفي الوقت ذاته إلى شحذ المفاهيم الماركسية في تحليل الظواهر الاجتماعية. ويتألف الكتاب من أربع دراسات، يكرس المؤلف واحدة منها لمناقشة كتاب حديث عنوانه "مصير الجماعية العربية... نقد فكر سمير أمين"، لمؤلفه شمس الدين الكيلاني، وفي هذه الدراسة يحاول أمين توضيح المفاهيم الماركسية من جانب وإظهار التباس مقولات الخطاب القومي من الجانب الآخر. وفي دراسة أخرى حول "خطاب الدين السياسي" يحاجج الدكتور أمين مقالا للكاتب الباكستاني "أمين خان" حول الإسلام السياسي، وقد نشرته المجلة الأميركية "منثلي رفيو" في عددها لشهر ديسمبر 2007، إلى جانب مقال آخر لسمير أمين نفسه، فصار المقالان يُقرآن لدى جمهور واسع من المسلمين غير الناطقين بالعربية، ولهذا السبب، يقول سمير، "وجدت أهمية للرد على ما بدا لي التباساً خطيراً في تقديره (خان) لموقع الإسلام السياسي في خريطة صراعات العصر الراهن". وقبل ذلك يخصص المؤلف الدراسة أو الفصل الأول من كتابه لـ"نقد خطاب الرأسمالية"، محاولا إظهار "الطابع غير العلمي للمقولات التي روجتها الكتابات السائدة عربياً وعالمياً". ثم أخيراً يحاول "ضبط المفاهيم" وإجلاء مقولاته النقدية فيما يخص الخطابات الثلاثة؛ الرأسمالية والقومية والدينية. وهو يرى أن مثل هذا التوضيح وذلك الضبط ضروريان لإيجاد منهج تحليلي علمي للظواهر الاجتماعية، يتيح تحديد مغزى التحديات الحقيقية التي تواجهها مجتمعات العصر. ويعتقد الدكتور سمير أمين أن الرأسمالية نظام في تحرك دائم، يتكيف مع تحولات سريعة نسبياً، وبالتالي فمن الضروري معاينة كل المستجدات المتجلية على ساحتها وتحليلها تحليلا ملموساً. لذلك يعتقد أن المرحلة الجديدة للرأسمالية (أي الرأسمالية المعولمة) هي مجرد دورة تجميل للرأسمالية المترهلة، كما يفند الخطاب الأيديولوجي للرأسمالية "الخيالية"، لاسيما حين يزعم هذا الخطاب أن تعميم ونشر الرأسمالية يعود بالفائدة للجميع، وأنها (أي الرأسمالية) تمثل الرشاد، وبالتالي فإنها نجاحها يمثل "نهاية التاريخ". وفي هذا الصدد يميز بين الرأسمالية التاريخية القائمة بالفعل، وبين الرأسمالية الخيالية التي تمثل ظاهرة أخرى لا تمت للأولى بصلة، حيث أن تاريخ الرأسمالية القائمة بالفعل يكذب الاستخلاصات المذكورة أعلاه، وهو -في رأيه- تاريخ صراع مستمر بين منطق التراكم الرأسمالي ومنطق المصالح الاجتماعية والوطنية المناقضة له. كما يعتقد أن جوانب عديدة من الأزمة التي يعيشها العالم المعاصر تدل على أن الرأسمالية أصبحت نظاماً بالياً غير قادر على الاستجابة لتحديات ومشاكل الإنماء، وبالتالي يتوجب تجاوزه. أما الليبرالية المعولمة فأثبتت الأزمة الحالية أنها تجلٍ لطابع الرأسمالية المترهلة. ويقدم أمين نقداً لأطروحة القوميين العرب (الكيلاني) القائلة بوجود "وعي عروبي" يتحكم في المجتمع العربي ماضياً وحاضراً، فينتهي إلى أن هذا "الادعاء" لا يعدو كونه مقولة أيديولوجية ذات طابع ميتافيزيقي لا علاقة له بالواقع، ماضياً وحاضراً كذلك. وإذ يقول إنه لا يخالف التيار القومي من حيث المبدأ فيما يتعلق بالهدف، أي إنجاز الوحدة العربية التي يعتبرها ضرورة تاريخية، فإنه يعيب على هذا التيار تجاهله الخصوصيات المحلية، وتبنيه الأعمى لكثير من مقولات الخطاب الرأسمالي، وإغفاله العلاقة التي تربط النضال من أجل الوحدة العربية بالصراع الطبقي. ولا يعتبر الدكتور أمين الإسلام السياسي ظاهرة "ما بعد كولونيالية"، بل ظاهرة تنتمي بالأساس إلى ما بعد باندونج، بمعنى أنه ازدهر على أنقاض المشروع القومي وبسبب إخفاقاته أيضاً، والتي جعلته يفتح الباب أمام ما سيصبح لاحقاً الإسلام السياسي. ويقول إن ثمة الآن في العالم الإسلامي ثلاث قوى بارزة: نظم الحكم، الإسلام السياسي، والليبرالية الديمقراطية، وهي معاً أجنحة لطبقة واحدة، هي الكومبرادورية الحليفة للولايات المتحدة. ومن هنا ينفي أن يكون الإسلام السياسي قد أعلن الحرب ضد الولايات المتحدة، بل هي من اتخذ المبادرة بإعلان الحرب ضد شعوب الجنوب، في إطار مشروعها العالمي، وأنها اختارت منطقة الشرق الأوسط للقيام بالضربة الأولى، ليس لأنها ذات شعوب مسلمة، بل لأسباب أخرى مثل الثروة النفطية والموقع الجغرافي. محمد ولد المنى -------- الكتاب: في نقد الخطاب العربي الراهن المؤلف: سمير أمين الناشر: دار العين للنشر تاريخ النشر: 2010