فكتور فرانكشتاين "عالم مجنون" أراد خلق نوع من الحياة لخدمة الإنسان، لكنه بدلا من هذا صنع وحشاً! ولكي يثبت وجهة نظره، يعمد فرانكشتاين إلى سرقة الجثث وانتزاع الأعضاء المتفوقة منها ثم يعيد لحمها لتركيب "الرجل الخارق". حينها، احتاج إلى "دماغ" بشري فقام بسرقته -مع مساعده فرتز- من إحدى كليات الطب. غير أنهما يسرقان بطريق الخطأ دماغ مجرم معتوه توفي للتو. وبعد أن يزرعا الدماغ في الجمجمة، يبنيان فوق المعمل برجاً معدنياً لالتقاط إحدى الصواعق الكهربائية، ويمدان من هذا البرج أسلاكاً تتصل بأعضاء المسخ الممدد، ويبقيان في انتظار العاصفة الرعدية المناسبة. وفي اللحظة الحاسمة تضرب صاعقة هائلة قمة البرج فتنتقل ملايين الفولتات الكهربائية إلى الجثة فتحركها بعنف فتدب فيها الحياة ويستيقظ المسخ المجنون. وما إن يقول الدكتور "إنه حي... إنه حي"، حتى يقوم الوحش ويقف على رجليه، لكن أول ما يفعله هو قتل "العالم المجنون"! قصة فرانكشتاين هذه قصة خيالية، لكن لو طبقناها على الواقع لوجدنا أن إسرائيل هي فرانكشتاين وأن الغرب هو "الدكتور" الذي صنعها وأوجدها. فهل ستكون النهاية، كما في القصة، بمقتل الصانع والصنيعة معاً؟! عمل الغرب، طوال العقود الستة الماضية، على "خلق" فرانكشتاينه الخاص (الكيان الإسرائيلي)، فقام بتسليحه حتى بات خطراً على الغرب ومصالحه في العالم وفي الشرق الأوسط، خاصة بعد أن أصبحت "إسرائيل" عالة على الغرب بتكلفتها الاقتصادية والسياسية بل والأخلاقية. ومن اللافت، القلق الذي يبديه الغرب من نهج الساسة الإسرائيليين الحاليين، حيث لم يعد هذا الغرب يملك تفسيراً للأسباب التي تدعو إسرائيل للقيام بما تقوم به، سواء في شأن الاستعمار (الاستيطان) في الضفة وفي القدس، أو في تعاملها مع الحصار على قطاع غزة. فشعوب العالم رأت وعبرت عن رفضها للوحشية الفرنكشتاينية التي بلغت أشُدّها في القطاع الذي وصفه مؤخراً رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بأنه "معسكر اعتقال مفتوح". وللمرة الأولى في تاريخ هذا الكيان ترتفع أصوات في أرجاء المعمورة تطالب بمحاسبة مجرمي الحرب من قادة سياسيين وضباط وجنود إسرائيليين عما ارتكبوه من جرائم إبادة ضد غزة، فتعقد الندوات، ويتفاعل رجال القانون عبر الحدود، لإعداد القضايا والدعاوى ضد مرتكبي هذه الجرائم لتقديمهم إلى القضاء، فيما لم يزد الأمر إسرائيل إلا دموية وعنصرية ووحشية. وقبيل حرب عام 1967، كانت صورة إسرائيل -عموماً- إيجابية لدى الرأي العام الغربي، إذ سادت قلة وعي للجرائم التي يتعرض لها الفلسطينيون، ونُظرَ إلى إسرائيل بوصفها الضحية التي دافعت عن نفسها ضد الجيوش العربية التي أرادت "رميها في البحر"! ولأن الشعور بالذنب إزاء ما يسمى المحرقة اليهودية (الهولوكوست) كان يُلقي بظلاله على الغرب، فقد ترسخت صورة الإسرائيليين بوصفهم ضحايا، فجرى تصوير الإسرائيليين الأوائل في أذهان الرأي العام الغربي على أنهم مسالمون أقاموا ديموقراطية نادرة في الشرق الأوسط! علاوة على ذلك، جسدت إسرائيل آنذاك دولة أوروبية وغربية حيث كان غالبية سكانها أوروبيين، بل نظر إلى هويتها وخطابها السياسي على أنهما غربيان تماماً. بيد أن حرب عام 1967 كانت نقطة تحول في معظم هذه الأنماط. فقد غير انتصار إسرائيل الصاعق صورتها دولياً من "الضحية" إلى "القاهر". وبانتصارها، أصبحت إسرائيل قوة استعمارية محتلة، لاسيما في الضفة والقطاع. ومع مرور السنين، تم استبدال صورة الإسرائيلي المستضعف بالقوي القهار! لكن سرعان ما استعيض عن صورة إسرائيل الديمقراطية والحداثية، بصور حواجز التفتيش وأعمال القمع ومصادرة الأراضي والجدران الفاصلة والغارات العسكرية. ومع موجات المهاجرين الروس (1990) أكملت إسرائيل تحولها الديموغرافي حيث لم تعد المقومات الديموغرافية ولا الخطاب السياسي تلاقي صدى في الكثير من الدول الغربية فتناقص اليوم عدد أصدقائها في أوروبا، وبرزت صورتها البشعة جداً لدى الرأي العام في أوروبا بل وفي العالم. ومع أن الولايات المتحدة هي أحد آخر حلفاء إسرائيل الحقيقيين، فثمة دلائل على تحول عندها؛ فقد هاجم أكاديميون وسياسيون وعسكريون بارزون علناً تأثير اللوبي الإسرائيلي "إيباك" (لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية) في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، كما برز "جي ستريت" اللوبي اليهودي الجديد للطعن في سياسات إسرائيل تجاه الشعب الفلسطيني، مؤكداً على خطورة السياسات الإسرائيلية ضد المصالح الأميركية، بل وتعارضها مع المصالح القومية للولايات المتحدة. ومع تراجع صدقية إسرائيل في الغرب، أصرت الأولى على إبقاء الصلة بالمحرقة حيّة، وأن يتم تمييزها كدولة ضحية وذات وضع خاص، باعتبار أن ذلك يبرر سياساتها العدوانية في شكل استثنائي. وعليه، تجسدت أسطورة فرانكشتاين في إسرائيل: تم تجميع أعضائه من أصقاع الأرض لخلق "دولة سوية"، غير أن النتيجة كانت مسخاً غير قادر على الحب (وإقامة علاقات دولية طبيعية) كغيره من البشر. ورغم استمرار القادة الإسرائيليين بالرد على مهاجمي دولتهم عبر تصنيفهم بأنهم "معادون للسامية"، ورغم عدم قبول معظم دول العالم لاستمرار "الاستثنائية" الإسرائيلية، فإن على العالم، اليوم، الوقوف بجدية أمام أساليب هذا الكيان وجرائمه ومقارفاته التي لا تنتهي، والتي لو كانت ارتكبت في أي أرض أخرى وضد أي شعب آخر لأقامت "الديمقراطيات" الغربية الدنيا ولم تقعدها! ويكفي أن نختم بما قاله الكاتب الإسرائيلي جادي طؤوف: "عندما كنا دولة تحقق حق المصير لليهود، أيدنا العالم الديمقراطي في الجزء الأكبر منه. وعندما صرنا دولة تسلب الفلسطينيين حقهم في تقرير المصير، أصبح العالم نفسه يكرهنا. هذه هي الروح التي أسقطت الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وهي ليست روحاً معادية للسامية. سيوقفنا الاستيطان، وهو البرهان الوحيد في نظر العالم على أننا نتجه إلى فصل عنصري يهودي في هذه الأرض، في المكان الذي وقفت فيه جنوب إفريقيا في الثمانينيات ومطلع التسعينيات إذ كانت دولة معزولة منفية انتهت إلى الانهيار".