يبدو أن القضية الفلسطينية "حبست" بين المباحثات غير المباشرة الجارية حالياً وبين الضغوطات التي تمارس على الطرف الفلسطيني للانتقال بها في أسرع وقت إلى "المباشرة" بدون قيد أو شرط. وهو ما لم يحصل في تاريخ عقد أي اتفاق أو معاهدة أو هدنة، بحيث تصبح منزوعة "الشروط" حتى لو كان اتفاقاً عادياً يتناول البيع أو الشراء، فكيف الأمر بقضية طال انتظار حصاد ثمارها أكثر من اللازم. وسط هذا التلاطم السياسي تضيع حقوق شعب بأكمله لا يزال ينتظر الفرج الذي لم يُترك له هامش من الحراك، فالطرف الفلسطيني يسعى للوصول إلى مرحلة الدولة التي وقتت بالسنتين المقبلتين ولكن دون التنازل عن الشروط التي لا زال لها اعتبار وهي حدود 1967 والعاصمة المتمثلة في القدس الشرقية ووقف الاستيطان واللاجئين، وهي ذات المسائل التي يريد نتنياهو التخلص منها في المباحثات المباشرة، وهي المفاصل الرئيسية التي تظهر شكل الدولة الفلسطينية المرتقبة. فالمشهد إلى هذه الساعة ينم عن استحالة الوصول إلى أمر يرضي طرفي الصراع إلا بتنازلات لا تبقي للدولة الفلسطينية رسماً ولا معلماً، هذا إذا تم استبعاد القضايا السيادية التي تصر إسرائيل على الاستيلاء عليها من الآن. فإذا لم تكن حصيلة المحادثات المباشرة دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة، فماذا يمكن لنا أن نتوقع؟ وإذا كان الهدف هو مجرد صورة دولة بلا سيادة ولا كلمة فصل في شؤونها الداخلية فضلاً عن الخارجية فماذا عساها أن تكون؟ وفق هذه الأجواء فإن المساحة المتاحة للحركة أضيق على المستوى الفلسطيني، وإسرائيل من ناحية أخرى تمارس سياسة ملء الفراغات التي تنشأ في الداخل الفلسطيني بمزيد من العنت والعناد واتخاذ ذلك مبرراً لها في سلوكها التعسفي. وهنا في الأفق العربي مشروع لم يُزح عن الطاولة الدولية في اتفاقية شاملة لإنهاء هذا الملف جملة وتفصيلاً، وهي الفرصة التي كادت تنهار بسبب من سياسات إسرائيل المتطرفة وعدم ترك الأمور السالكة لأخذ مجراها الطبيعي وفقاً لمتطلبات السياسة الدولية العامة. وحتى تبقى القضية الفلسطينية في زخم مستمر يجب ألا تنفصل عن البعد الدولي في الحفاظ على الأمن والسلم العالمي وذلك بعلاج قلب القضية المعطوب وليس أطرافها. فالحلول الجزئية غير فاعلة لأنها تترك القضايا الكبرى معلقة، وخاصة عندما نرى أن الضغوطات بدأت تدفع بالطرف الفلسطيني إلى استعجال قطف ثمرة السلام المطلوب قبل نضوجها، وإلا فما معنى دعوة نتنياهو لعباس في لقائه بتل أبيب أو ذهابه بنفسه إلى رام الله فجأة وكأن معضلة القضية ستحل بهذه الطريقة الودية وهي التي لم تكن كذلك في أي يوم من تاريخ الصراع، وتصوير الأمر بأن ذلك مقارب لزيارة السادات إلى القدس، فهذا من جملة القياسات السياسية الفاسدة منذ البداية، لأن قضية فلسطين لا تشبه مشكلة سيناء التي حلت بمجرد إعادتها إلى مصر. والملاحظ في الآونة الأخيرة الضغوطات المتزايدة على الطرف الفلسطيني مع إرخاء الحبل الإسرائيلي إلى أقصى حد ومؤشرات ذلك في موقف أوباما من عباس بالدفع في عقد المباحثات المباشرة وإلا فإن أميركا ستتراجع عن دعم القضية برمتها، وإصرار نتنياهو على عدم طرح أي شروط أو قيد في جدول أعمال المباحثات وكذلك تواجد المبعوث الأميركي في المنطقة في هذا الاتجاه، فكل ذلك يعني الرضوخ التام للمطلب الإسرائيلي ابتداء في حال استعجال عقد المباحثات المباشرة، فإلى متى ستبقى "فلسطين" الدولة مرهونة بين المباحثات؟ وهل السنتان المقبلتان كفيلتان بحل أصل المعضلة؟