ما أقدمت عليه إحدى الخادمات مؤخراً حينما قامت بطعن أمّ أكثر من سبعين طعنة، ثم أضرمت النار في الشقة، الأمر الذي ترتبت عليه وفاة ابنة القتيلة بسبب الاختناق من الدخان، يسلّط الضوء على ظاهرة جرائم الخدم التي تزايدت في الآونة الأخيرة، لدرجة باتت تهدّد معها الاستقرار الأسري، خاصة في ظل التقارير الأمنية والرسمية التي تشير إلى وقوف الخدم وراء نسبة كبيرة من الجرائم التي تتعرض لها منازل كثير من الأسر في الآونة الأخيرة. إن انتشار جرائم الخدم في الآونة الأخيرة تقف وراءه عوامل عدة، بعضها يتعلّق بعدم التزام كثير من مكاتب استقدام الخدم المعايير المطلوبة، حيث تدوّن كثير منها معلومات غير موثوق بها حول الخدم بهدف الترويج لهم وتوريط الأسر في تشغيلهم، وليس أدل على ذلك من أن الخادمة التي تورّطت في واقعة القتل الأخيرة قدمت إلى الدولة منذ نحو 20 يوماً فقط، وعملت لدى أسرتين مواطنتين، ونتيجة لعدم ارتياحهما لها تمّ إلغاء عقد عملها لديهما. وهذا يكشف بوضوح عن غياب الشفافية من جانب بعض مكاتب استقدام الخدم، التي لا يهمها سوى تعظيم مكاسبها من دون التزام منها بالتأكد من معرفة السير الخاصة بهؤلاء الخادمات التي توفرها لكثير من الأسر. ناهيك عن قيام بعض الأسر الأخرى باستخدام خدم ليسوا على كفالتهم، أو التعامل مع بعضهم بفكرة الدوام الجزئي، وهو الأمر الذي يستغلّه بعض هؤلاء الخدم في ارتكاب جرائمهم كالسرقة ثم الهروب ما دام لا يوجد التزام قانوني عليهم، بل الأخطر أن هؤلاء الهاربين ينضمّون إلى العمالة المخالفة في الدولة، وقد يتم استغلالهم في أعمال غير مشروعة تهدد الأمن والاستقرار المجتمعي. وقد كشفت وقائع الهروب الأخيرة لكثير من الخادمات أن هناك أشخاصاً يوفّرون لهن الحماية برغم كل ما يرتكبنه من مخالفات وجرائم. وإذا كانت الجريمة هي الأثر الملموس لتجاوزات الخدم، فإن هناك آثاراً أخرى غير مرئية لا تقلّ في خطورتها عن تلك الجرائم المُشار إليها سابقاً، ليس أقلها التأثير السلبي في هوية النشء وثقافته، إذ إن هذا الكمّ الضخم من الخادمات، بخلفياتهن الثقافية الهشة والمتباينة، ومستوياتهن التعليمية المتدنية، يلعبن الدور الأخطر في تربية النشء، ويمثلن أحد مفاتيح تشكيل الجذور الثقافية للمجتمع، وإعادة توجيهها، كل حسب ثقافتها وطبيعة علاقة كل منهن بالنشء. الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فالواقع يشهد أيضاً بأن ملف الخدم كان في أحيان كثيرة إحدى القضايا التي تستغلّها بعض المنظمات الحقوقية الدولية في إعطاء صورة مغلوطة عن الملف العمالي في الدولة بوجه عام، والزعم بأن هؤلاء الخدم يفتقرون إلى الحدّ الأدنى من الحقوق التي تنصّ عليها المواثيق الدولية في هذا الشأن، رغم أن الإمارات كان لها السبق بين دول الخليج في تطبيق عقد موحّد لخدم المنازل، حافظ على حقوق هذه الفئة وحمايتها، بما نصّ عليه من التزام الكفيل توفير سكن صحيّ وملائم لها، وتعهّده بمعاملتها معـاملة حسنة تحفظ لها كرامتها. إن تزايد الجرائم المرتبطة بالخدم في الآونة الأخيرة، فضلاً عن الآثار السلبية الأخرى الناجمة عن تزايد الاعتماد عليهم بصورة كبيرة لدى كثير من الأسر، يستدعي التحرك من أجل إعادة تنظيم هذا الملف، حتى لا يتحوّل إلى خطر يهدّد استقرار المجتمع وأمنه. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية