حان الوقت كي تخرج إسرائيل إلى العلن. فبعد مرور خمسة عقود على الاحتفاظ ببرنامج أسلحة نووية، دون الاعتراف بوجوده، يجب على إسرائيل أن تبادر بإعلان، وتقديم معلومات، عن وضع أسلحتها النووية. وعلى الرغم من أن امتلاك إسرائيل لقنابل نووية لم يكن سراً -منذ أمد طويل- إلا أن التدقيق الدولي غير المسبوق المتوقع خلال السنوات القادمة، سوف يجعل من المحافظة على هذا "التعتيم النووي" أمراً في غاية الصعوبة بالنسبة لتل أبيب. وبإصرارها على الاستمرار في اختلاق أكذوبة أنها ليست دولة نووية، صنفت إسرائيل نفسها كدولة منبوذة دولياً. وهذه الصفة تمكن أعداءها، كما تمكن الدول الأعضاء في حركة عدم الانحياز، من استخدام موضوع القنبلة النووية الإسرائيلية كحجة يستندون إليها في إبطاء خطواتهم المتخذة في مجال تحقيق أهداف حظر الانتشار النووي، وعلى رأسها الحيلولة بين إيران وبين التحول إلى دولة نووية. وهذا الموقف من جانب إسرائيل، سوف يصل العام المقبل إلى النقطة التي يصبح عندها غير قابل للاستمرار، وذلك بسبب تعزيز عملية التدقيق على برنامج إسرائيل النووي، من قبل مصادر دولية عديدة. في شهر مايو الماضي، أعاد أعضاء معاهدة حظر الانتشار النووي، التأكيد -بالإجماع- على القرار الصادر في عام 1995، والذي يدعو لشرق أوسط خال من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل... كما صادقوا على "انضمام إسرائيل للمعاهدة، ووضع جميع منشآتها النووية تحت القيود الشاملة التي تقررها الوكالة الدولية للطاقة الذرية". في منتصف سبتمبر المقبل، وبناءً على طلب أغلبية ضئيلة من أعضائها، سوف يصدر "يوكيا أمانو"، مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تقريراً غير مسبوق، بشأن تحقيق تقدم في موضوع ضم إسرائيل لاتفاقية حظر الانتشار النووي، وقيامها بوضع قدراتها النووية تحت القيود والضوابط التي تعمل بموجبها الوكالة. وفي أكتوبر المقبل، سوف يقوم المؤرخ "انفر كوهين" بنشر كتابه الموسوم: "أسوأ سر محتفظ به: مساومة إسرائيل بشأن قنبلتها"، وهو تكملة لكتابه السابق الرائد الموسوم "إسرائيل والقنبلة"، والذي كشف فيه، وبتفصيل موسع، كافة الخطوات التي اتُخذت من قبل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، قبل حرب عام 1967، لتطوير قنبلة نووية. ولا شك أن كتاب كوهين المقبل، سوف يكشف المزيد من الأسرار التي ستحرج تل أبيب، وتكشف المزيد عن قدراتها النووية. على ضوء ذلك التدقيق القادم، هناك ثلاث خطوات يتعين على إسرائيل اتخاذها في المدى القريب، وهي: أولا: يجب عليها العمل على تقديم معلومات تتسم بالشفافية الكاملة حول ترسانتها النووية، وتشمل حجم هذه الترسانة، وأسلوب القيادة والسيطرة المطبق فيها، ودرجة أمانها، وما يمكنها تحقيقه من أهداف حظر الانتشار النووي. وذلك بنفس الطريقة التي تم بها ذلك من جانب الأعضاء الآخرين في معاهدة حظر الانتشار مثل الهند وباكستان، كي تتسنى لها طمأنة المجتمع الدولي بشأن برنامجها. ومن المعروف أن باكستان قد أنشأت عام 2000 إدارة أطلقت عليها مسمى "سلطة القيادة الوطنية"، وذلك بغرض تأكيد الإشراف المدني على برنامجها النووي. كما تسمح باكستان أيضاً لأكبر مسؤوليها النوويين العسكريين، الفريق "خالد كيدواي" رئيس لجنة التخطيط الاستراتيجية، المسؤولة عن الأسلحة النووية، بتقديم إيجاز إلى ممثلي المجتمع الدولي حول إجراءات السلامة ودرجة أمان ترسانة بلاده النووية، والمواصفات الرئيسية لها. ثانياً: وعلى ضوء ما أعلنته مؤخراً بشأن نواياها في متابعة إنشاء برنامج نووي مدني، يجب على إسرائيل أن توقع على اتفاقية ضمانات، مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تغطي كافة المنشآت النووي المدنية التي ستقيمها مستقبلا. ويشار في هذا السياق إلى أن الهند وقعت في عام 2008 اتفاقية مشابهة مع الوكالة سمحت لها بتلقي الدعم الدولي من أجل مفاعلاتها المدنية السلمية النووية. وبشأن هذه النقطة تحديداً، تُبدي الولايات المتحدة استعدادها لتقديم المساعدة. وكما تشير التقارير، فإن الرئيس أوباما، وفي الاجتماع الأخير الذي عقده في البيت الأبيض مع نتنياهو، قد أخبر رئيس الحكومة الإسرائيلية بأن الولايات المتحدة سوف تبحث مسألة تزويد إسرائيل بتقنيات نووية مدنية. لكن إذا ما أخذنا في اعتبارنا إن إسرائيل لديها ما يقرب من 190 رأساً نووياً، حسب الكتيب النووي لمجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية NRDC، فسندرك أنها ليست بحاجة لإنتاج المواد القابلة للانشطار للأغراض العسكرية. ثالثاً: يجب على إسرائيل أن تعكس سياستها الحالية نحو النقيض، وأن تعمل على المشاركة في المنتديات الدولية التي تتم فيها مناقشة موضوع إخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل عامة. لكن الضغط من جانب واحد ضد سياسات إسرائيل كان هو الإجراء الوحيد المتبع وسيئ الحظ في التعامل معها، والذي لم يحقق نتائج تذكر. والأفضل من ذلك الإجراء هو أن يعمل الدبلوماسيون الإسرائيليون على مناقشة النوايا والأهداف النووية لدولتهم علناً، وأن يعملوا من خلال هذه المنتديات إما على الموافقة على قرار عام 1995 أو معارضته. ويجب على إسرائيل أن تدرك أنه لا يمكن أن يكون لها صوت في السجال الدائر حول الحد من الانتشار النووي، وهو سجال سوف تترتب عليه تداعيات حيوية على منطقة الشرق الأوسط برمتها، ما لم تصبح شريكاً حسن النية في الجهود الدولية المتعددة الأطراف للسيطرة على أسلحة الدمار الشامل وحمايتها، وأن تدرك أيضاً أنها ستربح من خلال الاعتراف بحقيقة تنكرها هي، لكنها ما لبثت تعتبر أمراً معروفاً ومسلما به من قبل خصومها وأصدقائها على السواء. ميكاه زينكو زميل بمجلس العلاقات الخارجية الأميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "أم سي تي إنترناشيونال"