في ديسمبر من عام 2009، تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً ينادي بتخصيص عام للمراهقين والشباب (International Year of Youth)، بداية من الثاني عشر من أغسطس سنة 2010، ولمدة عام كامل. ويدعو هذا القرار، الحكومات، ومنظمات المجتمع المدني، والأفراد، ومؤسسات المجتمع المختلفة، إلى توفير الدعم للأنشطة المحلية والدولية، الهادفة لزيادة الوعي بمشاكل الشباب، ودعم الجهود الرامية للتعامل مع تلك المشكلات بشكل عملي واقعي، يعود بالفائدة على المجتمع برمته. وتتضح فداحة هذه المشكلات من خلال البيانات والإحصائيات، التي تظهر الآتي: 1- يلقى أكثر من 1.8 مليون شاب حتفهم سنويّاً -بين سن الخامسة عشرة والرابعة والعشرين- نتيجة أسباب كان من الممكن تجنب الغالبية منها. 2- يشكل الشباب في هذه الطائفة العمرية، 40 في المئة من جميع حالات العدوى السنوية بفيروس الإيدز. 3- يتعرض 20 في المئة من الشباب سنويّاً، لاضطرابات نفسية وأمراض عقلية. 4- يقدر أن عدد مستخدمي منتجات التبغ بين الشباب، يزيد حاليّاً عن 150 مليوناً. 5- يلقى 565 شاباً ومراهقاً حتفهم يوميّاً، نتيجة جرائم العنف. 6- تتسبب حوادث الطرق في وفاة 1000 مراهق وشاب يوميّاً. 7- تقع 16 مليون فتاة بين سن الخامسة عشرة والتاسعة عشرة، فريسة للحمل والولادة، أو ما يعرف بحمل المراهقات، الذي غالباً ما يكون حملا غير مرغوب فيه. ولذا على رغم أن غالبية المراهقين والشباب يتمتعون بصحة جيدة، إلا أن وفاة 1.8 مليون منهم سنويّاً، لأسباب ممكن تجنبها، يعتبر وضعاً غير مقبول بجميع المقاييس. وبخلاف هذه الوفيات الهائلة، نجد أن عدداً أكبر بكثير منهم، يتعرض لإصابات وأمراض وعلل، تكبح طاقتهم، وتعيق الاستغلال الأمثل لقدراتهم. هذا بالإضافة إلى أن عدداً أكبر منهم، ينخرط في سلوكيات وتصرفات، لا تؤثر فقط سلباً على حالتهم الصحية الراهنة، بل تترك أيضاً آثاراً سلبية على صحتهم المستقبلية، وهو ما يتضح من حقيقة أن ثلثي الوفيات المبكرة، وثلث العبء المرَضي الإجمالي الذي يقع على كاهل البالغين من الجنسين، هي نتيجة ظروف وسلوكيات، بدأت في مرحلتي المراهقة والشباب المبكر، مثل استخدام منتجات التبغ، وتبني نمط حياة يفتقر للرياضة والنشاط البدني، وممارسة الجنس بطريقة غير شرعية وغير آمنة، والإصابات الخطيرة والإعاقات من جراء حوادث العنف، وحوادث الطرق. غير أن هذا الوضع برمته، يمكن عكس اتجاهه، والتخفيف من ثمنه الإنساني وعبئه الاقتصادي، من خلال نشر وتدعيم الممارسات الصحية الجيدة في مراحل العمر الأولى، مع اتخاذ الخطوات الكفيلة بحماية المراهقين والشباب من المخاطر الصحية التي تقتلهم في عمر مبكر، أو تحكم عليهم بحياة تملؤها الأمراض والعلل. وتتضح أهمية انتهاج مثل هذه الاستراتيجية، من خلال مراجعة بعض المشاكل الصحية التي تبدأ في سنوات مبكرة، وتستمر مدى العمر، كاستخدام منتجات التبغ مثلا. فالغالبية العظمى من المدخنين، ممن بدأوا هذه العادة السيئة والقاتلة، في سنوات المراهقة. وكما ذكرنا، يبلغ عدد المدخنين من المراهقين حاليّاً، أكثر من 150 مليوناً، وهو العدد الذي يشهد زيادة مطردة، وخصوصاً بين الإناث. وكما هو معروف، سيلقى نصف هؤلاء حتفهم بشكل مبكر، في مرحلة لاحقة من حياتهم. وهذا النزيف الإنساني، يمكن وقفه، أو على الأقل الإبطاء من سرعته، من خلال حظر إعلانات التبغ، ورفع أسعار علب السجائر، والالتزام بالقوانين التي تمنع بيع منتجات التبغ لمن هم دون السن القانونية، وتفعيل القوانين التي تمنع التدخين في الأماكن العامة، وهي إجراءات وتدابير لن تخفض فقط أعداد من ينخرطون في هذه العادة في سن مبكرة، بل ستخفض أيضاً من عدد السجائر التي يدخنها الشخص في اليوم الواحد، وستساعد الكثير من المراهقين كذلك على الإقلاع بشكل نهائي. ومن الطبيعي والمنطقي، أن تتطلب المشاكل الصحية الأخرى التي تصيب المراهقين، استراتيجيات مختلفة عن تلك الموجهة نحو مكافحة التدخين. فعلى سبيل المثال، نجد أن الاضطرابات النفسية والأمراض العقلية -وخصوصاً القلق والاكتئاب- التي تصيب واحداً من كل خمسة من المراهقين، تكون أكثر استجابة للتدابير الهادفة لبناء الثقة بالنفس، والارتقاء بالمهارات الحياتية، مع توفير الدعم النفسي من خلال المدرسة والمؤسسات المجتمعية، وبشكل يتيح التمييز المبكر لظهور مثل تلك الاضطرابات والأمراض، ويتيح أيضاً التعامل معها بشكل مباشر في مراحلها الأولية، وخصوصاً في ظل حقيقة أن هذه الفئة العمرية هي الأكثر قابلية للوقوع في شباك الاكتئاب والإدمان، وبالنظر إلى الارتفاع الهائل في نسبة الانتحار بينها. فعلى رغم أن التعامل مع هذه المشاكل يتم حاليّاً من المنظور القانوني من خلال تجريم تعاطي المخدرات، وتجريم محاولات الانتحار، ومن المنظور الديني أيضاً من خلال الموعظة والهداية، إلا أنها تظل في جوهرها مشاكل صحية، لابد من التعامل معها أيضاً من المنظور الطبي. وهذا ما أكدته الجمعية العامة للأمم المتحدة، في جلسة خاصة عن حالة أطفال العالم عام 2002، عندما طالبت بضرورة تبني سياسات تشريعية، وتنفيذ برامج صحية قومية ووطنية، خاصة بالمراهقين والشباب، تتضمن أهدافاً ومؤشرات قياسية، تسعى لمواجهة المشاكل الصحية الخاصة بهذه الطائفة العمرية من خلال إجراءات وتدابير خاصة، بهدف خفض الثمن الإنساني والعبء الاقتصادي الناتجين عنها. د. أكمل عبدالحكيم