قرأت، كما قرأ غيري، باهتمام بالغ نتائج استطلاع للرأي أجرته جامعة ميريلاند الأميركية حول الشخصية الأكثر شعبية على الساحة العربية. واللافت في نتيجة الاستطلاع -الذي شمل ثماني دول عربية- هو احتلال زعامات غير عربية مثل أردوغان ونجاد وشافيز، مواقع متقدمة فيه، وهو أمر يحز في نفس المراقب. هذه النتيجة عادت بنا إلى نتائج الشخصيات الأكثر شعبية في الساحة العربية على مدى السنوات الثلاث الماضية، وكانت شخصية أمين عام "حزب الله" والرئيس السوري بشار الأسد اللذين استمرا خلال العام الحالي الأبرز بجانب شخصيات أخرى غير عربية مثل نجاد وشافيز. وفي كل حالة كان تعليق المحللين السياسيين العرب يقتصر على انتقاد "العاطفة العربية" معتبرين هذا الرأي لا سند منطقيا له. بل إن نتائج الاختيارات تلك كانت تبدو عند بعض المحللين أمراً مضحكاً ومجالاً للسخرية، ولم تستوقفهم الأسباب التي تجعل هذه الشعوب تميل إلى شخصيات صاحبة "شعارات سياسية". أظن أنه اليوم، وبعد أن تكررت مسألة بروز شخصيات غير عربية وأنها الأكثر حضوراً على الساحة العربية، يحتاج منا، ولو من باب الفضول، إلى التوقف ولو قليلاً لمعرفة الأسباب، وألا نستهين بها أو نتجاهلها، فقد صارت تتنامى سنة بعد سنة، خاصة وأن الأمر ليس شعبوياً فقط، فالصحافة العربية ووسائل الإعلام، وبعضها شبه رسمي، هي الأخرى تبدي إعجاباً في تعليقاتها بمواقف هؤلاء القادة، ولا بأن نتوقف ونقنع أنفسنا بالتحليل والتبرير الأسهل، أي "العاطفة العربية" والشعبوية. الأمر -كما يبدو- أكبر من ذلك، لأنه في كثير من الأحيان تتناقض هذه المواقف، وطنياً واجتماعياً، مع ما يجب أن يكون عليه الإنسان العربي. أعتقد أنه مثلما عانت السياسة العربية من "فراغ" قيادي أدى إلى أن تملأه دول الجوار وبعض الحركات السياسية، فإن العاطفة "العقلانية" العربية تعاني فراغاً أيضاً في الزعامات، ويجب ملء هذا الفراغ بمواقف سياسية تدافع عن الحقوق العربية، ومشروعات وطنية حقيقية حتى لا يملأه الآخرون من دول الجوار ومن أميركا اللاتينية. وبغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع ما تطرحه قيادات سياسية مثل رئيس الوزراء التركي من مواقف، فإنه تمكَّن من تبني قضايا العرب المصيرية والتكلم باسمهم أمام المحافل الدولية؛ لأن الوضع الحاصل من الشعوب العربية بتأييدها زعامات من خارج الساحة العربية هو دليل على حالة التوهان والضياع الذي تعيشه هذه الشعوب التي ضاعت "بوصلة" توجهها. المواطن العربي يعيش حالة البحث عن زعيم، وبات يتعلق بأي شخص يخاطب مشاعره ومطالبه. فنتائج الاستطلاع كشفت لنا إحساس الشعوب العربية بفقدان المثال والقيادة القادرة على الوقوف ضد إسرائيل والدفاع عن الحقوق. بل إن منتصر الزيدي، الصحافي العراقي، الذي رمى بوش بحذائه، أصبح بطلاً عربياً، والرئيس أوباما لو ترشح لانتخابات عربية بعد خطابه في القاهرة، لكان منافساً لرؤساء عرب كثر؛ إذ إن أي صوت يمكن أن يرتفع لصالح مطالب الشعوب يلقى تأييداً عربياً. الشعوب العربية تتطلع لقادة من خارج وطنها، بأمل الحصول على حقوقها، أو على الأقل إحساس القادة بما تريده، كي تصل به وعبره إلى تحقيق أهدافها. ما أريد قوله: إن الاختيار الحالي لأردوغان والسابق لنصرالله أو نجاد هو أبعد منهما... فهو البحث عن "الذات" العربية داخلياً وخارجياً.