يتألم المرء للحال التي وصل إليها البعض من التيارات التي تدعي الإسلام، فهي اليوم أخطر على الإسلام من أعدائه، فهؤلاء ودون أن يعلموا، يسيئون للإسلام من خلال إصرارهم على التصلب والتمسك بالرأي والتعصب لتفسير لا يخدم الدين ولا يفي بغرضه. قالت عائشة رضي الله عنها: قال الرسول صلى الله عليه وسلم:"لا تسبوا الأموات، فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا". كما قيل: "اذكروا محاسن مواتكم، وكفوا عن مساوئهم". فالأحاديث التي تنهي عن سب الموتى، وحتى الكفار منهم، كثيرة. فمن مات فقد قضى نحبه وعاد بين يدي الخالق عز شأنه، ومن يسب الموتى فقد مارس الغيبة، والغيبة منهي عنها... وهكذا نجد كثيراً من هذه الأقوال السامية لا تطرق عقول هؤلاء الذين يدعون الحرص على الدين وعلى نصاعة الرسالة السماوية. بالله عليكم هل يعقل أن بعض المنتديات المحسوبة على بعض الإسلاميين والتي تلبس ثوب الدين، تستقبل وفاة المفكر أحمد البغدادي بفرح وبهجة وتكتب تحت عنوان "هلاك الكلب العلماني"، وتبث سمها وهي تدعي التدين والدين والحرص على الرسالة، وهي بالأحرى تمارس التدمير والتخريب للرسالة السماوية؟! هذه الكتابات تعبر عن إفلاس منقطع النظير، وعن طاقة شريرة كامنة في النفس لم تخشع ولم تحركها الأقوال السامية التي نقلت لنا من خلال الأحاديث النبوية وأقوال الصحابة وفحوى القرآن الذي لم يدخل عقول هؤلاء النفر المسيئين للدين ولأمة الإسلام. عندما تصفحت ما كتب في بعض المنتديات شعرت بالحزن على حال الأمة وبالبؤس لما وصل له الحال، وشعرت بالفرح عندما قرأت عن توجه خادم الحرمين الشريفين لتقنين الفتوى وحصرها بين أهل العلم وليس من هب ودب كما هو حادث في وقتنا الحالي. عندما صدر كتاب الدكتور مصطفى محمود، "الله والإنسان"، قوبل من بعض مشايخ الدين بالرفض وقذفوا الكاتب بالكفر وطالبوا بمحاكمته، وكان في حينها الأمام الأكبر للأزهر الشيخ حسن مأمون، فأفتى بصحة الكتاب وانسجامه مع الدين، وكانت فتواه هي الفيصل بوضع حد للهجوم الذي تعرض له الدكتور مصطفى محمود. هؤلاء الذين يدعون التدين والدين ويصادرون حق العقل في النقد ليس لما جاء في الدين بقدر ما هو النقد الموجه لمدارس التكفير التي استولت على الرسالة السماوية وشوهتها وتدعي الدفاع عن هذه الرسالة، هؤلاء هم حقاً أشد خطراً على الإسلام من أعدائه. فالدكتور والعالم البغدادي بذل الجهد وواصل الطريق لبث الوعي ليرفع من قيمة الدين ويعلي من شأنه، فتصدى لتفسير النص ووقف بحزم ضد تحنيط النص وتقديس رجال الدين. فكتبه ومقالاته هي استكمال لما كتبه غيره من علماء النهضة، وهي امتداد لهذه الحركة الديناميكية التي تقلق هؤلاء الذين يرون في إنهاض العقل نهاية لفكرهم الأجوف. كان البغدادي يتصدى بشراسة لمثل هؤلاء وقد دفع الكثير ولم تغره مباهج الحياة، كما فعل من يدعو التدين... ثم يظهرون علينا في شاشات التلفزيون ليحدثونا عن الدين، والأولى أن يحدثوا أنفسهم، لأن لنا عقولا عامرة ناهضة لا تخاف سموم أنصاف مشايخ الدين.