من بين أكثر التقارير الحكومية إثارة للاهتمام، ذلك الذي اعتادت وزارة الزراعة الأميركية نشره، والذي يتم فيه تقدير ما ينفقه الآباء الأميركيون على أبنائهم. وتبين النسخة الأخيرة من هذا التقرير، أن تلك النفقات باتت باهظة - وهو شيء كان متوقعاً في حقيقة الأمر. فبالنسبة لأسرة من الطبقة المتوسطة، تتكون من زوج وزوجته، يبلغ دخلها قبل الضرائب في عام 2009 حوالي 76.250 دولارا، يصل الإنفاق على الطفل الواحد إلى 12 ألف دولار سنوياً. وبافتراض نسبة تضخم متواضعة، تبلغ 2.8 في المئة، يقدر القائمون على التقرير، أن إنفاق الأسرة على الطفل المولود عام 2009 سيصل إلى 286.050 دولاراً عندما يصل عمره إلى 17 عاما.وبالنسبة للأسرة المكونة من طفلين، فسوف تصل هذه التكلفة إلى 600.000 دولار. وهذه التقديرات جميعاً قد تكون أقل من الحقيقة، لأنها لا تتضمن تكاليف الدراسة بالجامعة. وهذه الإحصائيات البحتة، يجب أن تكون من ضمن الأشياء التي يضعها القائمون على إعداد الميزانيات في تقديرهم، لأن الميزانيات ليست عبارة عن قائمة بالبرامج والضرائب فحسب، وإنما هي أكثر من ذلك، حيث يجب أن تعكس إلى جانب هذا أولويات المجتمع، وقيمه. والمجتمع الأميركي، على الرغم من كل الرطانة التي تقال حول الموضوع، لا يضع أهمية كبيرة على أنجاب وتربية الأطفال بسبب السياسات الحكومية المطبقة والتي تنحاز لكبار السن على حساب تكوين الأسر على الرغم من حقيقة أن السير في هذا الطريق، يقود حتما إلى الانكماش الاقتصادي ـ كما تقول النظريات. فالمجتمعات التي لا تستطيع تجديد سكانها لا تشجع على الاستثمار، ولا على الإبداع. فأسواق السلع والخدمات في مثل هذه المجتمعات غالبا ما تكون راكدة، أو منكمشة، بسبب ثبات الطلب أو انخفاضه على نحو مطرد، ولأن السكان الكبار السن يقاومون أي تغيير، فيخنقون الإبداع. ولكي تتمكن دولة ما من تحقيق التوازن بين مكونات سكانها، يتعين عليها اللجوء إلى وسائل أخرى غير وسيلة الهجرة مثل تشجيع النساء على الإنجاب على سبيل المثال، بحيث يكون متوسط عدد الأطفال الذين تنجبهم أي امرأة طفلين في المتوسط. وهو ما يطلق عليه معدل خصوبة قيمته اثنان. ويبلغ هذا المعدل في عدد من الدول التي تكافح لمواجهة المصاعب الاقتصادية حدا أقل من ذلك بكثير: ففي اليابان يبلغ هذا المعدل 1.2 في المتوسط، وفي إيطاليا 1.3 في المتوسط ـ وهو نفس المعدل في إسبانيا أيضا. وهذا المعدل يعني أن هذه الدول لديها طفل واحد مقابل كل اثنين من البالغين. ومعدل الخصوبة في أميركا، لم يقترب بعد من هذا المعدل الباعث على التشاؤم. فوفقا للتقرير الذي نشره المركز الوطني للإحصاء الصحي عام 2007 ، كان معدل الخصوبة الإحلالية ( معدل الخصوبة اللازم لكي يحل عدد المواليد محل الأشخاص الذين يتوفون في بلد ما خلال 25 عاماً) 2.1 طفل للمرأة الواحدة . في حين كان هذا المعدل لدى النساء الأميركيات من أصل أميركي لاتيني 3 أطفال للمرأة الواحدة في حين بلغ هذا المعدل 1.9 لدى الأميركيين البيض من أصل غير لاتيني، و2.1 لدى السود من أصل غير لاتيني، و2.0 للأميركيين من أصول آسيوية. وعلى الرغم من أن قرار إنجاب طفل هو قرار فردي لحد كبير، فإنه يتشكل بواسطة الدين، والاقتصاد، وسياسة الحكومة. يوضح "أندرو تشيرلين" أستاذ الاجتماع بجامعة "جونز هوبكنز" هذا بقوله:"ليس لدى أحد إجابة مقنعة عن السؤال المتعلق بأسباب اختلاف معدلات الخصوبة بين البلاد المختلفة".صحيح أن الإيمان الديني المتآكل في أوروبا قد يفسر - جزئياً - انخفاض معدل المواليد إلا أن ذلك لا ينطبق على باقي الدول. ففي اليابان على سبيل المثال، نجد أن المرأة اليابانية قد تقرر إنجاب عدد قليل من الأطفال كنوع من التمرد على نمط الحياة المنعزلة التي عاشتها أمهاتهن بسبب انشغالهن بتربية أطفالهن. وللتفاؤل والتشاؤم دورهما في ذلك أيضاً: فالتفاؤل والأمل هما اللذان غذيا ما عرف بطفرة المواليد في أميركا عقب الحرب العالمية الثانية. والتشاؤم عقب انهيار الاتحاد السوفييتي، وعدم اليقين بشأن ما يأتي به المستقبل كانا هما اللذان أديا بحسب"تشيرلين" إلى انخفاض معدلات المواليد في روسيا وأوروبا الشرقية. وفي المجتمعات الفقيرة، يسعى الناس إلى إنجاب الأطفال لتحسين مستوى الأسرة الاقتصادي من خلال زيادة عدد الأفراد العاملين فيها، والذين يستطيعون أن يكونوا سندا لآبائهم وأمهاتهم عندما يتقدم بهم العمر ويصبحون غير قادرين على الكسب. في المجتمعات الغنية يختلف الوضع، حيث تتولى الدولة مسؤولية رعاية كبار السن فلا تعود للأسر في تلك المجتمعات حاجة للأطفال. نحن بحاجة إلى البعد عن المزيج الأوروبي من الضرائب العالية، ومعدلات الإنجاب المنخفضة، والنمو الاقتصادي الضعيف، لأن ذلك المزيج كفيل، كما يقول عالم السكان "نيكولاس إيبرستادت" من معهد أميركان إنتربرايز":" بجعل الناس ينصرفون عن فكرة إنجاب الأطفال من الأساس أو فكرة إنجاب المزيد منهم بعد ذلك". ويدعو "روبرت شتاين" مسؤول الشؤون الاقتصادية في مجلة "ناشيونال أفيرز" إلى دمج الإعفاءات الضريبية التي تمنح للعائلات مقابل إنجاب الأطفال في إعفاء واحد سخي. وما يريد "شتاين" توصيله هو إن السياسات الاقتصادية والضريبية يجب أن يكون لديها انحياز نحو العائلة، لأن تكوين عائلة يعتبر ـ في نظره" واحدا من أهم الخدمات التي يمكن لأي أميركي أن يقوم بها". ------ روبرت صمويلسون محلل اقتصادي أميركي ------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست"