على الرغم من أن الفيضانات المدمرة في باكستان قد أدت إلى مصرع ما يزيد عن 1600 شخص، وأن مصادر الأمم المتحدة تقول إن عدد من تضرروا من تلك الفيضانات قد فاق 14 مليونا من البشر، وأن الأمم المتحدة قد تقدمت بطلب جديد في الحادي عشر من سبتمبر لتوفير ما قيمته 459 مليون دولار، وأن العديد من الناس باتوا معرضين لخطر داهم، إذا لم يحصلوا على مساعدات إضافية، إلا أن الاستجابة الدولية لأزمة باكستان الأخيرة ليست كافية حتى الآن. أما فيما يتعلق بأميركا، فقد كانت من أوائل الدول التي استجابت حيث أرسلنا طائرات هليكوبتر من أفغانستان، كما قمنا بنقل كميات كبيرة من المواد الغذائية من مخازننا الموجودة في المنطقة وفي باكستان ذاتها، كما قدمنا مساعدة مالية معتبرة تفوق ما خصصته أي دولة أخرى، كما تستعد السفن الأميركية الموجودة في المياه القريبة، بإرسال المزيد من الطائرات الهليكوبتر لتوصيل المساعدات، والقيام بعمليات الإنقاذ في المناطق الوعرة التي يصعب الوصول إليها. كما نقوم في ذات الوقت بحث العديد من الدول على تقديم المساعدة لمواجهة هذا التحدي الاستثنائي. وعلى الرغم من أن عدد من لقوا مصرعهم حتى الآن يعد أقل من عدد الضحايا في كارثة تسونامي، وزلزال باكستان السابق، وزلزال هايتي، إلا أن إجمالي عدد الباكستانيين الذين تضرروا جراء هذه الكارثة أكبر بكثير من تلك الكوارث الثلاث مجتمعة(14 مليونا كما أشرنا سابقا)، ومما يفاقم من خطورة الأمر أن الأبعاد الكاملة للكارثة لم تتضح في أذهان الكثيرين بعد، ومن هنا كانت استجابتهم أقل مما يجب، وهو ما يحتاج إلى التغيير فوراً. والولايات المتحدة من جانبها، منتبهة إلى الأبعاد الكاملة للكارثة أكثر من غيرها، وتركز على النواحي الجوهرية فيها، وخصوصا الأوضاع المأساوية التي يواجهها الكثير من السكان البائسين الذين تقطعت بهم السبل، ولا يجدون من ينقذهم. ومما يزيد من تعقيد الأمور بالنسبة لباكستان أن هذه الكارثة قد ترتبت عليها أضرار هائلة سوف تضرب بعنف اقتصادها الذي كان يئن تحت وطأة ضغوط شديدة قبل حدوثها: فقد تحطمت مئات الجسور، وهناك عدد كبير من السدود والقناطر معرض لخطر الانهيار بسبب هذا الفيضان الذي يعد أكبر فيضان يضرب البلاد منذ عشرينيات القرن الماضي، وهو ما سيفاقم من المشكلة لحدود كبيرة. وهناك حاجة هائلة لعمليات إنقاذ عاجلة، متبوعة بعد ذلك بعمليات إعادة بناء لما تحطم، وأكثر ما يخاف منه الخبراء هو انتشار الأمراض المحمولة بالمياه وخصوصا في المعسكرات التي أقيمت على عجل لإيواء النازحين. وبشأن ما يقال عن أن جماعات إسلامية خيرية ذات روابط مع الجماعات الجهادية المقاتلة قد سارعت لتقديم العون والمساعدة في المناطق التي لم تصل إليها الحكومة وأن ذلك قد يؤثر على الاستراتيجية العامة لمكافحة الإرهاب، فإن ما أود التأكيد عليه هو أنه ليست هناك تقارير مؤكدة عن ذلك حتى الآن، وحتى إذا ما صحت هذه الأنباء، فلا يجب أن نشغل أنفسنا كثيرا بها، أو بتأثيرها على الاستراتيجية العامة لمكافحة الإرهاب في الوقت الراهن على الأقل، إذ أن هناك أشياء أخرى أكثر أهمية وتتطلب منا اهتماماً عاجلًا. وقد نجد من يتساءل: هل يستدعي الأمر من الولايات المتحدة إجراء عملية إعادة تقييم شاملة لاستراتيجيتيها في باكستان وأفغانستان بعد الكارثة الحالية؟ وهل الأولويات الأميركية سوف تتغير أم لا؟ ما أود قوله إنه ليس هناك حاجة لإعادة تغيير أولويات استراتيجية كبرى بسبب فيضان، لأن تلك الأولويات قد تعرضت لتغيرات جوهرية بالفعل بعد مشاورات مشتركة مع باكستان وأفغانستان جرت طيلة العام الماضي. لقد ورثنا مهمة، كانت الولايات المتحدة تقدم فيها مساعدات عسكرية فحسب، أما الآن فإن المساعدات المدنية قد وصلت في مجملها إلى 7.5 مليار دولار وفقا لتشريع "كيري - لوجار". ونحن نركز في الوقت الراهن على المياه والطاقة، ونضطلع بجهد إغاثة كبير للمرة الثانية في بحر عام ونصف، بعد الجهد الذي قمنا به لمواجهة كارثة اللاجئين في وادي سوات بعد العمليات العسكرية التي قام بها الجيش الباكستاني ضد المتمردين هناك. لذلك كله، ليس هناك ما يستدعى إعادة ترتيب للأولويات، لأن تلك الأولويات قد أعيد ترتيبها في بالفعل بحيث تركز بالإضافة إلى الجانب العسكري، على العمل على توفير الاحتياجات الاقتصادية العاجلة للشعب الباكستاني. ويشار إلى أن العديد من الجهات قد أعربت عن مخاوفها من عدم وصول المساعدات لمستحقيها، أو أن جهود الإغاثة سوف تتم بكفاءة، خصوصا وأن الحكومة الباكستانية لم تثبت فعاليتها في هذا المجال في الماضي. وفي رأيي أن الطريقة الأمثل في هذا السياق، هو أن تتقدم العديد من منظمات الإغاثة للاضطلاع بهذه المهمة. وبالنسبة للشعب الأميركي هناك طريقة فعالة للمساهمة في التخفيف من هذه الكارثة من خلال التبرع لمن يرغب بمبلغ عشرة دولارات بمجرد كتابة كلمة"سوات" في رسالة نصية وإرسالها على رقم معين. وسوف يتم تسليم تلك المبالغ إلى "الجهد الخاص لإنقاذ أفغانستان"، الذي يتم تحت إشراف المفوض الأعلى للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. إن الكارثة التي وقعت في باكستان تمثل تحدياً كبيراً لأي حكومة في العالم، ولكن الشيء الواضح أن جهود الحكومة الباكستانية في أعمال الإغاثة، لم تكن قوية حيث تتصدر قوات الجيش جهود الإنقاذ، وهو ما قد يؤثر على التوازن العسكري المدني، في باكستان أو قد يؤثر على ديمقراطيتها الهشة، فإن ردي هو أن الولايات المتحدة ملتزمة بمساعدة الحكومة المنتخبة ديمقراطياً في باكستان، وهو ما كنا نقوم به بقدر كبير من التركيز منذ أن جاء أوباما إلى البيت الأبيض وسوف نستمر في عمل ذلك وفق الخطوط المحددة في تشريع" كيري- لوجار". أما فيما يتعلق باستجابة الحكومة الباكستانية للكارثة، فإنه كان موضع انتقاد من قبل العديد من الناس، ولكن اعتقادي أن الأميركيين الذين عانوا من كارثة شبيهة في "أورليانز" منذ سنوات قليلة، يجب ألا يسارعوا بتوجيه الانتقادات لحكومة دولة أخرى تواجه بتحد أكبر ولديها قدر من الموارد والإمكانيات يقل كثيرا عما لديها. والباكستانيون في اعتقادي يبذلون قصارى جهدهم ونحن من ناحيتنا نقدم لهم الدعم. -------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة"تريبيون ميديا سيرفس"