رغم إدراك الأطباء خلال العقود القليلة الماضية لمدى أهمية الحالة النفسية، وخصوصاً درجة التوتر والقلق، على الصحة البدنية، وعلى احتمالات الإصابة بالأمراض والعلل، إلا أن الدراسات الطبية المتوالية تظهر الواحدة بعد الأخرى أن أبعاد وجوانب هذه التأثيرات، تفوق بمراحل مدى الإدراك الحالي بين أفراد المجتمع الطبي. فعلى سبيل المثال أظهرت دراسة صدرت مؤخراً عن جامعة أوكسفورد البريطانية الشهيرة، بالتعاون مع المعهد القومي لصحة الطفل والنمو البشري بالولايات المتحدة، ونشرت نتائجها في إحدى الدوريات العلمية المتخصصة في العقم والإنجاب، أن ارتفاع درجة التوتر في حياة المرأة، يؤخر من حدوث الحمل، ويقلل من فرصه. فمن خلال متابعة 274 امرأة يرغبن في الحمل، وتتراوح أعمارهن بين الثامنة عشرة والأربعين، اكتشف العلماء أن ارتفاع مستوى هرمون "الأدرينالين" المرتبط بالتوتر الحاد، يخفض من فرص حدوث الحمل بنسبة 12 بالمئة، وإن كان ارتفاع مستوى هرمون "الكورتيزول" المرتبط بالتوتر المزمن لم يكن ذا تأثير يذكر. ولا يقتصر تأثير التوتر على فرص حدوث الحمل، بل تمتد آثاره أيضاً إلى الجنين، إذا ما تعرضت الأم للقلق والتوتر المزمن أثناء الحمل. فعلى حسب دراسة سابقة صدرت عن كلية "إمبريال كوليدج" بالعاصمة البريطانية لندن، ظهر أن أطفال الأمهات اللواتي تعرضن لتوتر أثناء الحمل، يصبحون عرضة للمتاعب العقلية والسلوكية بعد الولادة. فبتحليل عينات من السائل المحيط بالجنين داخل الرحم، اكتشف العلماء أن الأمهات اللواتي يعشن تحت وطأة ضغوط وتوتر دائم، ترتفع لدى أجنتهن أيضاً مستويات هرمون "الكورتيزول". وهو ما يعني أن الهرمون الذي يفرزه جسم الأم نتيجة للتوتر، يمكنه عبور حاجز المشيمة، والانتقال من دم الأم إلى دم الجنين. وبإخضاع هؤلاء الأجنة للملاحظة والدراسات النفسية والسلوكية بعد ولادتهم وعند مراحل مختلفة من العمر، اكتشف العلماء أن الأجنة الذين كانوا يعانون من أعلى مستوى لهرمون "الكورتيزول" أثناء الحمل، تمتعوا بمستوى أقل من الذكاء في سن ثمانية عشر شهراً، مقارنة بأقرانهم في نفس العمر. وبوجه عام، زادت المشاكل النفسية والعقلية لدى الأطفال الذين كان مستوى هرمون "الكورتيزول" مرتفعاً لديهم أثناء الحمل، مثل القلق والخوف، والاضطراب المعروف بفقدان التركيز المصاحب للنشاط المفرط. ويقدر علماء "إمبريال كوليدج"، أن توتر الأمهات أثناء الحمل، ربما يكون مسؤولًا عن 15 في المئة من الاضطرابات العقلية والنفسية التي يعاني منها الجنس البشري حاليا. وبالنظر إلى حجم وعدد المصابين بالاضطرابات العقلية والنفسية، يمكن لهذا التقدير، إذا ما ثبت، أن يكون له وقع هائل على صعيد تدابير وإجراءات الوقاية. ورغم هذا التأثير للتوتر على الجنين، وعلى فرص حدوث الحمل من الأساس، لا يجب أن نلقي باللوم على التوتر في جميع الحالات التي يتأخر فيها حمل الزوجة. فالحقيقة التي يجهلها الكثيرون، أن حدوث الحمل، في أفضل الظروف النفسية والبدنية، ليس دائما مؤكداً أو مضموناً. وهو ما يتضح من أن 25 بالمئة من الأزواج الأصحاء الذين لايعانون من أية مشاكل صحية، أو ظروف بيئية وعوامل نفسية سلبية، قد لا يحدث لديهم حمل خلال فترة تمتد لعام كامل، وربما حتى لفترة أطول من ذلك لدى قلة قليلة، رغم حدوث الجماع بشكل طبيعي منتظم ومتكرر. ففي ظل جميع الظروف المثالية، نجد أن فرص الحمل لا تزيد عن عشرين أو ثلاثين بالمئة في أفضل الحالات، ولذا نجد أن في الأزواج الأصحاء، وإذا ما كان عمر الزوجة أقل من 35 عاما، غالبا ما يحدث الحمل في فترة ما بين أربعة إلى ستة شهور، وإن كان ليس من غير المعتاد أن يستغرق الزوجان عامين كاملين قبل أن يحدث الحمل. وتشير الدراسات والإحصاءات الطبية إلى أن فرص حدوث الحمل في الأزواج الأصحاء وفي ظل الظروف الطبيعية هي كالتالي: 30 بالمئة خلال الشهر الأول، 75 خلال الشهور الستة الأولى، 90 بالمئة خلال العام الأول، و95 بالمئة خلال عامين. ورغم أن العديد من حالات عدم الإنجاب، لا يمكن تحديد السبب خلفها، فإن هناك أسبابا كثيرة ومتعددة قد تمنع الزوجين من الإنجاب، وتصيبهما بالعقم. وهو الوضع الذي يؤدي في الممارسات الطبية اليومية في دولة كبريطانيا مثلاً، إلى مراجعة واحد من كل ستة أزواج لعيادات الإنجاب وعلاج العقم، وولادة واحد من كل 80 طفلًا من خلال أسلوب التلقيح الخارجي، المعروف بأطفال الأنابيب. وتتعدد وتتنوع الأسباب التي قد تؤدي إلى عقم الزوجين، مثل العوامل الوراثية التي قد تؤدي إلى اضطرابات في الكروموسومات أو الأجسام الصبغية، والعوامل الصحية العامة كالسكري واضطرابات الغدة الدرقية أو اضطرابات الغدة الكظرية الموجودة فوق الكلى، أو اضطرابات هرمونية خاصة ككسل الغدة النخامية الموجودة في الدماغ، أو بعض العوامل البيئية كالملوثات الكيميائية، وغيرها الكثير. وجدير بالذكر هنا، أن مدخني التبغ، ونتيجة احتواء دخان التبغ على العديد من السموم والملوثات، يصابون بالعقم بنسبة تزيد بمقدار 60 بالمئة، مقارنة بغير المدخنين، كما أن تدخين التبغ يقلل من فرص نجاح العلاج بأسلوب الإخصاب الخارجي بنسبة 34 بالمئة. ويمكن أن نضيف أيضا توتر المرأة الحاد، وعلى حسب الدراسة سابقة الذكر، كأحد العوامل التي بدأ الأطباء يدركون أهميتها في تأخير وتقليل فرص حدوث الحمل. د. أكمل عبد الحكيم