يروق لي هذا الموقف الذي تتخذه السلطة الفلسطينية في مواجهة الضغوط الأميركية الهادفة إلى تلبية رغبة نتنياهو بإطلاق المفاوضات المباشرة دون أي مرجعيات.. ذلك أن نتنياهو يرى أن هذه المرجعيات مثل قاعدة الأرض مقابل السلام ومثل خريطة الرابع من يونيو كأسس للتفاوض ومثل استئناف المفاوضات من النقطة التي توقفت عندها مع حكومة أولمرت وكذلك مثل تجميد الاستيطان، تمثل شروطاً مسبقة غير مقبولة. من هنا يأتي تصميم السلطة على إعلان اللجنة "الرباعية الدولية" مرجعية للمفاوضات على أساس البيان الصادر عنها في موسكو بتاريخ 2010/3/19 لمعالجة رفض نتنياهو الالتزام بالمرجعيات، ليس هذا فحسب بل إنه تصميم يعالج التراخي الذي وقع في الموقف الأميركي وبخاصة إعراب الرئيس أوباما في لقائه الأخير مع نتنياهو عن تفهمه لمتطلبات إسرائيل الأمنية نظراً لحجمها الجغرافي وموقعها والمخاطر التي تواجهها. لقد جاء موقف نتنياهو واضحاً عندما أعلن في خطابه بجامعة بارايلان تحت ضغوط أوباما أنه مستعد لقبول دولة فلسطينية بشروط، أولها أن إسرائيل لن تنسحب من كل الأراضي المحتلة عام 1967. وقد يتساءل البعض عن الفارق الجوهري بين موقف حكومة نتنياهو وبين موقف حكومة أولمرت خاصة إذا علمنا أن السلطة الفلسطينية قد وافقت في مفاوضاتها مع الأخير على مبدأ تبادل الأراضي. الفارق هو فارق كمي، ولكن حجم الكم بين نتنياهو وأولمرت، يرتقي بالفارق الكمي ليصبح فارقاً نوعياً. ذلك أن التقرير الخاص بدائرة شؤون المفاوضات حول تطور المفاوضات مع الإدارة الأميركية قد أوضح النقاط التي تمت بلورتها في المفاوضات مع أولمرت. إن فحص هذه النقاط مقارنة بما يريده نتنياهو يكشف عن الحجم الهائل للفارق. لقد بين التقرير أنه في 30 يوليو 2008 عقد لقاء أميركي فلسطيني إسرائيلي في وزارة الخارجية الأميركية في واشنطن برئاسة وزيرة الخارجية كونداليزا رايس وتم الاتفاق على ما يلي: 1- قاعدة المفاوضات هي خريطة الرابع من يونيو 1967 وبما يشمل القدس الشرقية والبحر الميت وغور الأردن والمناطق الحرام وقطاع غزة. 2- مبدأ تبادل الأرض بشكل متفق عليه وبما يشمل ربطاً جغرافياً بين الضفة والقطاع. 3- هدف عملية السلام تحقيق مبدأ الدولتين استناداً إلى هذا التفاهم. ويبين التقرير الذي كتب مقدمته صائب عريقات أن المفاوضات الجدية بين الرئيسين أبومازن ورئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود أولمرت، وصلت إلى ما يلي: 1- الحدود: الرابع من يونيو 1967، طرح الجانب الفلسطيني تبادل ما نسبته 1.9 في المئة بالقيمة والمثل وذلك بعد تثبيت حدود دولة فلسطين على خطوط الرابع من يونيو 1967. وفي المقابل طرح الجانب الإسرائيلي ضم 6.5 في المئة من مساحة الضفة الغربية وإعطاء ما نسبته 5.8 في المئة من أراضي عام 1948 وتكون النسبة الباقية 0.07 في المئة بدل الممر الجغرافي الرابط بين الضفة والقطاع. وفيما يتصل بالقدس فقد طرح الجانب الإسرائيلي أن الأحياء العربية في القدس الشرقية تكون جزءاً من فلسطين في حين تكون جميع المستوطنات الإسرائيلية التي أقيمت في القدس الشرقية جزءاً من إسرائيل. أما الجانب الفلسطيني فتمسك بأن القدس الشرقية تعتبر منطقة محتلة وينطبق عليها مبدأ عدم جواز احتلال أراضي الغير بطريق القوة. إذا قارنا هذه النقاط بموقف نتنياهو الباحث عن حجج لتمرير عقيدته التوسعية فإننا سنكتشف فارق الحجم الضخم في مساحة الأرض التي يريد الاستيلاء عليها في المفاوضات.