ما زال موضوع الحديث اليومي بين العراقيين هو تشكيل الحكومة، وقد سيطرت النتيجة الخلافية للانتخابات الوطنية العراقية عام 2010 وعملية تشكيل الحكومة البطيئة، على العناوين منذ انتخابات السابع من مارس. كان آخر موعد دستوري لعقد البرلمان وانتخاب قادته هو 14 يوليو، إلا أن ذلك لم يحدث، فضلت التجمعات السياسية تأخير الاجتماع لمدة أسبوعين، آملة في التوصّل خلالها إلى اتفاقية حول صفقة تتعلق بمن يصبح رئيساً للوزراء، ومن يصبح رئيساً للدولة ورئيساً للبرلمان. انتهك أعضاء البرلمان دستور العراق، من خلال فشلهم بانتخاب قادتهم. ولكن من ناحية أخرى، فإن عقد اجتماع البرلمان دون اتفاق مسبق على الحزمة المذكورة أعلاه لن يكون مثمراً، لأن أياً من الأحزاب السياسية لم يحصل على ما يقارب الـ 163 مقعداً التي تشكل الغالبية البسيطة المطلوبة لشغل أي من هذه المناصب. يمرّ العراق بتغيير اجتماعي وسياسي واقتصادي سريع ومعمّق، هناك تنافس حول توزيع أو إعادة توزيع السلطة بين الكيانات السياسية: صراع بين هؤلاء الذين كانوا في السلطة قبل عام 2003، أي قبل اجتياح العراق، وهؤلاء الذين يمسكون بالسلطة منذ عام 2003، إضافة إلى المنافسة بين الأحزاب نفسها بعد عام 2003. هناك مخاوف من فقدان السلطة أو إساءة استخدامها من قبل الآخرين، وقلق حول توزيع السلطة والثروة بين أفراد الحكومة المركزية ومنطقة كردستان والمحافظات الأخرى، ووضع المناطق المختلف عليها مع الأكراد والعلاقات مع الدول المجاورة. وتتلوّن هذه الصراعات أحياناً بخلافات طائفية وعرقية، ويزيد من تعقيدها سياسة الخوف من الظلم الموجود في تاريخ العراق السياسي، الأمر الذي يجعل المصالحة والتسوية أكثر صعوبة. إلا أن الأمر الجيد هو أنه حتى الآن، تعود الأحزاب السياسية إلى الدستور والمحاكم في خلافاتها دون اللجوء إلى العنف. لا يوجد حل سريع بوجود هذه التعقيدات. ربما يتم تشكيل حكومة جديدة خلال الشهرين القادمين، ولكن الأمر يحتاج رغم ذلك لمدة ثلاثة أو أربعة شهور لبدء العمل. سوف يأتي الوزراء من أحزاب مختلفة وتكون لهم مصالح ووجهات نظر مختلفة، وقد يفتقر بعضهم للخبرة. إضافة إلى ذلك، ستواجه الحكومة أجندة صعبة، على رأس بنودها الأمن وانسحاب القوات الأميركية من العراق. يوافق العراقيون والأميركيون على أن هذه القوات ستنسحب كما تقرر في الاتفاقية الأمنية بين الدولتين. وبحلول نهاية هذا الشهر، تكمل القوات القتالية انسحابها تاركة حوالي 50000 من الجنود يقومون بمهمات غير قتالية، يبقون حتى سنة 2011. الواقع أن انسحاب القوات القتالية الأميركية مستمر منذ شهور، وهو يعزز اهتمام العراقيين بالسيادة، ويعزز شرعية الحكومة العراقية. الأهم من ذلك أنه يحرم هذه الجماعات من القدرة على استغلال الاحتلال للترويج لأنفسها، الأمر الذي يعزلها عن الجمهور. كما أن التحسينات التي جرت على قدرات قوات الأمن العراقية أدت إلى تعزيز كفاءتها في القتال رغم أزمة عام 2009 في الميزانية والجمود الأخير في العملية السياسية. ومع ذلك سيحتاج العراق لمعونة متواصلة وخاصة من الولايات المتحدة لتطوير قوات الأمن بحيث تستطيع وبفعالية مجابهة التحديات الأمنية الداخلية والخارجية التي تواجه الدولة. وبعد عقود من الديكتاتورية، سيبقى العراق إلى ما بعد هذه الأزمة السياسية، رغم كونها عملية سياسية بطيئة بشكل يثير الخوف والقلق، فإنه يمتلك الفرصة للخروج دولة رئيسية مستقرة مزدهرة في المنطقة. صفاء حسين عضو سابق في "مجلس الحكم العراقي" ينشر بترتيب مع خدمة "كومون جراوند"