إذا أخذنا كافة العوامل في الحسبان، فإننا نستطيع القول إن المشروعات الأميركية الكبرى تؤدي بشكل جيد للغاية في الوقت الراهن. فإنتاجية تلك المشروعات، وطاقاتها التصديرية ارتفعت، من دون الاضطرار إلى تعيين موظفين جدد، أو إعادة تعيين الموظفين الذين كانت قد استغنت عنهم، أوزيادة أجور العاملين الحاليين لديها فتلك المشروعات لم تعد تعمل وفقا للخطة التي تعمل بموجبها المؤسسات التجارية الأميركية، وهي خطة تقوم على أن تحقيق المزيد من الأرباح يتطلب تخفيض أعداد العاملين وتخفيض أعبائهم، وإنما أصبحت تعمل وفق خطة تعتمد على التصدير للخارج، وتخفيض النفقات في الداخل فالسوق العالمي الذي ساعدت الشركات الأميركية على خلقه يؤتي الآن ثماره، ويمر بأفضل أوقاته. ولكن ذلك لا ينطبق على المشروعات التجارية الصغيرة، التي تعاني من انخفاض الطلب المحلي على منتجاتها نتيجة للركود، ومن الصعوبة البالغة في الحصول على القروض اللازمة من البنوك، وهو ما يمثل تهديداً خطيراً لتلك المشروعات وقدرتها على الاستمرار في العمل. ففي تقرير صدر في شهر مايو الماضي من لجنة الكونجرس للإشراف على برنامج إسعاف الأصول المضطربة (التي ترأسها المدافعة عن شؤون المستهلكين إليزابيث وارين)، جاء أن إقراض البنوك للمشروعات الصغيرة قد هبط بنسبة كبيرة، وخصوصاً البنوك الكبيرة التي ساعد دافعو الضرائب على إنقاذها. وجاء في التقرير أنه في الوقت الذي هبط فيه إقراض البنوك بنسبة 4 في المـئة بين عامي 2008، و2009 إلا أن نسبة انخفاض قروض تلك البنوك للمشروعات الصغيرة قد وصلت إلى 9 في المئة. ومع أن القطاع المؤسسي الكبير يواصل عمله بسلاسة ويسر دون أن يكلف نفسه مشقة تعيينات جديدة أو رفع الأجور، إلا أن ذلك في حد ذاته لا يؤدي بمفرده إلى التعافي. فآمال هذا التعافي تقوم من خلال تعزيز الطلب الاستهلاكي من خلال الاستثمار، ومن خلال المساعدة على إطلاق المشروعات الصغيرة، وتوسيع القائم منها من خلال الإعفاء من الضرائب، وإعادة فتح أبواب الإقراض مجدداً. ومن المعروف أن الإدارة و"الديمقراطيين" في الكونجرس، قد عجزوا خلال نصف العام الماضي عن التغلب على مقاومة أعضاء مجلس الشيوخ من "الجمهوريين" لزيادة الاستثمار العام. إلى ذلك قام "الجمهوريون" في مجلس الشيوخ بعرقلة الجهود الرامية لخفض الضرائب وزيادة القروض للمشروعات الصغيرة، على الرغم من أن تلك السياسات كانت دوما من ضمن أولويات الحزب "الجمهوري"، كما أن المشروعات الصغيرة تحديداً طالما اعتبرت من ضمن قواعد للحزب. في نهاية الأسبوع الماضي اتحد 41 "جمهورياً" من أعضاء مجلس الشيوخ، لعرقلة الموافقة على مشروع قانون، كان سيؤدي إلى إلغاء ضريبة الأرباح الرأسمالية على المشروعات الصغيرة، وزيادة مقدار التخفيض الضريبي للمشروعات الناشئة، وإنشاء صندوق قيمته 30 مليار دولار يتم تعويضه من خلال تخفيضات في الضرائب في مجال آخر. وهذا المشروع للقانون كان يحظى بتأييد جماعات الضغط الموالية لـ"الجمهوريين"، وهو ما يعد دليلاً على بلادة المعارضة "الجمهورية" له، خصوصاً أن بعضاً من بنودها قد صيغ بواسطة أعضاء مجلس شيوخ "جمهوريين"، والحجة التي ساقها "الجمهوريون" لتبرير معارضتهم لمواد مشروع هذا القانون التي لا خلاف على أهميتها، هي أن "الديمقراطيين" كانوا يهدفون من تمرير ذلك المشروع لتقليل عدد التعديلات التي كان يمكن لـ"الجمهوريين" أن يأتوا بها، في حين أن السبب الحقيقي لتلك المعارضة كان هو حرمان "الديمقراطيين" من تحقيق نصر تشريعي، من خلال نجاحهم في تمرير حزمة من تلك الحزم الإنقاذية، التي لا تزال تحظى بدعم شعبي كبير. وهناك سبب آخر هو استباق أي تحسن ولو ضئيل في الاقتصاد قبل نوفمبر المقبل. و"الجمهوريون" على حق بالتأكيد عندما يقولون إن "الديمقراطيين" لأسباب سياسية واقتصادية يركزون جل جهودهم على تعافي المشروعات الصغيرة على وجه التحديد. فمما يؤكد ذلك أن بحثا أجرته مؤسسة"ستان جرينبيرج"، وهي مؤسسة ديمقراطية لقياس الرأي قد توصل إلى نتيجة مؤداها أن "الديمقراطيين" يمكن أن يفوزوا بالسجال الاقتصادي من خلال جعل الشركات الصغيرة في موضع القلب من أجندتهم. ولكن هناك طريقة أخرى يمكن لـ"الديمقراطيين" من خلالها مساعدة المشروعات الصغيرة، مع الاستمرار في ذات الوقت في الدفع من أجل تحفيز مشروعاتهم الصغيرة، وهي أن يختار الرئيس شخصية بارزة للدفاع عن المشروعات الصغيرة، ولإدارة "وكالة الحماية المالية للمستهلك" المنشأة حديثاً كـ" أليزابيث وارين" على سبيل المثال. لقد سمعنا أن البنوك الكبرى تنظر بارتياب لاحتمال تعيين "وارين" لرئاسة هذه الوكالة. وهو ما يرجع إلى كونها واحدة من كبار المنتقدين لوسائل التلاعب العديدة التي تلجأ اليها البنوك في مجال البطاقات الائتمانية بحجة تغير سياساتها، وهو ما يجعل منها رمزاً من رموز الدفاع عن الشركات الصغيرة، لأن تلك الشركات في غيبة القروض البنكية، لن تجد من وسيلة أمامها سوى التحول وباطراد نحو استخدام بطاقات الائتمان كمصدر للتمويل. ويُشار في هذا السياق إلى أن 83 في المئة من المشروعات الصغيرة كما جاء في تقرير للاحتياطي الفيدرالي تستخدم بطاقات الائتمان. ليس هناك من أحد مثل "وارين" يفهم الألاعيب التي تمارسها البنوك على عملائها أكثر من "وارين". فهي كما يتفق الجميع، واحدة من المراجع الأكاديمية المهمة في هذا الموضوع، ومن المدافعين المتحمسين على ضرورة تمتع حملة البطاقات الائتمانية بمعاملة أكثر عدلًا. هل هي عدوة لـ"وول ستريت"؟ هل هي صديقة للشارع؟ ليس هناك من هو أفضل منها في ذلك. وإذا ما رشح أوباما "وارين" لهذه الوظيفة فمن المؤكد أنها سُتنتخب. وسوف يكون الرئيس حينئذ قد وجد وسيلة إضافية لمساعدة الشركات الصغيرة. هارولد مايرسون كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة واشنطن بوست