في الوقت الذي تنتشر فيه حمم الغضب بمختلف أنحاء كشمير، يتم تداول عدة نظريات حول التداعيات السياسية لمشكلتها المتواصلة. ومنذ الجمعة قبل الماضي فقط، لقي 31 شخصاً مصرعهم برصاص رجال الأمن في كشمير، الذين لا يترددون في استخدام الذخيرة الحية كخيار أول للتعامل مع الاحتجاجات والمظاهرات على الرغم من أن أجهزة الأمن في معظم أنحاء العالم يستخدمون القنابل المسيلة للدموع، والطلقات المطاطية وخراطيم المياه الضخمة لتفريق التظاهرات والسيطرة على الاعتراضات غير المسلحة. والشيء اللافت للنظر أنه على الرغم من تعدد حالات القتل هذه على أيدي رجال الأمن فإن الهبة الشعبية في كشمير لم تهدأ. وما يمكن رؤيته في هذه المنطقة في الوقت الراهن هو عبارة عن مزيج من العصيان المدني الذي طبقه غاندي، والانتفاضة الفلسطينية. وعندما تصاعدت الاحتجاجات ووصلت إلى ذروتها، سارع كبير وزراء ولاية كشمير "عمر عبدالله" إلى دلهي للمطالبة بإرسال المزيد من القوات للمساعدة على وقف العنف، على الرغم من أن ذلك لا يمثل الحل للمشكلات التي تعاني منها الولاية. فعندما يخرج الآلاف من الشباب والرجال والنساء إلى الشوارع للتعبير عن إحباطهم، فإن الحل لا يكون أبداً بإلحاق المزيد من الإهانة بهؤلاء عن طريق استخدام القوة لقمعهم وهو ما ينتهي غالباً بإلحاق خسائر في صفوف المدنيين. فمثل هذه التصرفات لا تؤدي إلى شيء سوى تأجيج الغضب لدى أناس، لا يترددون عن تحدي حظر التجول، والنزول إلى الشوارع للتعبير عن احتجاجاتهم. لقد كانت هذه هي دورة العنف في وادي كشمير خلال الصيف الماضي، وليس هناك بارقة أمل تفيد أن تلك الاحتجاجات سوف تتوقف عما قريب في كشمير الذي أصبح منظر الشبان الذين يلقون الحجارة على قوات الأمن في شوارعها يكاد يكون ملمحاً معتاداً، ما أدى إلى شلل الحياة تقريباً وازدياد شعور سكانها بالإقصاء. كما أن الضجة التي أثارتها وسائل الإعلام الهندية حول الطريقة التي عالجت بها قوات الأمن الاحتجاجات في كشمير، أجبرت وزير الداخلية الهندي" بي. شيدامبرم" إلى تقديم اعتذار عن الخسائر البشرية المدنية في البرلمان الهندي، وإن كان قد أشار في سياق كلمته أمام أعضاه إلى تزايد حالات تسلل المسلحين من الجانب الباكستاني من كشمير، والتعاون الوثيق بين القادة الكشميريين الانفصاليين والاستخبارات الباكستانية، غير أن مزاعمه في هذا الشأن لم تجد من يصدقها. فمن الصعب على أحد أن يصدق أن الحجارة التي يلقيها الصبية والشباب على قوات الأمن الهندية قد هُرّبت من باكستان، أو أن المراهقين الذين يقومون بإلقاء الحجارة قد جندوا من قبل المتسللين الباكستانيين. ومع وجود ما يقرب من مئة ألف جندي، يراقبون الحدود مع باكستان بيقظة ليل نهار، كيف يمكن لمقاتلي"لشكر طيبة" أن يتسللوا دون أن يتم اكتشافهم خصوصاً في فصل الصيف الذي لا تتساقط فيه الثلوج التي تعوق الرؤية؟ وما هي فائدة معدات المراقبة والرصد الإلكترونية الفائقة التطور التي اشترتها الهند بمئات الملايين من الدولارات من إسرائيل وركبها خبراؤها - الإسرائيليون - على الحدود مع باكستان، خلال حكم حزب "بهاراتيا جاناتا" الهندوسي المتطرف. وفي سياق التطور الحالي للأحداث، لا بد للمرء أن يصل إلى استنتاج هو إما أن تلك المعدات عديمة النفع، على الرغم من الدعاية الإسرائيلية الزائفة عن قدرات معداتها، وإما أن الجيش الهندي يفتقر إلى الكفاءة في تشغيلها وغير قادر بالتالي على مراقبة حدوده. وكان القائد الكشميري المعتدل "عمر فاروق مير واعظ مولوي"، زعيم "مؤتمر حريات جميع الأحزاب"، قد حث الحكومة الهندية على العمل على تجنب استخدام الوسائل العسكرية، للتعامل مع الموقف المتقلب في الإقليم. وقال ذلك الزعيم إن ما يحدث هناك ناتج عن "مشاعر شعبية وطنية" ورفض تماماً فكرة أن ما يحدث" لديه أي صلة بباكستان" وحث الحكومة على التواصل مع أفراد الشعب من أجل حل مشكلاتهم. ليس هناك شك أن اللوم يجب أن يوجه لكبير وزراء ولاية كشمير عمر عبد الله الذي أخفق في التواصل مع شعب كشمير - على الرغم من الآمال التي كانت قد علقت عليه عندما تولى منصبه - حيث اتسم أداؤه بالتردد وعدم الحسم طيلة الوقت، علاوة على أن مطالبته بإرسال المزيد من القوات إلى الإقليم تعني أن حكومة الولاية عاجزة عن ممارسة المهام المنوطة بها، والسيطرة على الأوضاع. أما الحكومة في نيودلهي فهي تحاول أن تجد مخرجاً من الأزمة الكشميرية من ناحية، وتحاول من ناحية أخرى التأكد من أنها تحظى في سياق ذلك بدعم المجتمع الدولي، أي أنها مضطرة للعمل على جبهتين. الشيء المطلوب في كشمير اليوم هو تحقيق نوع من التواصل مع المظلومين من أبناء شعبها. وليست هناك صعوبة في معرفة مصدر الإحباط الذي يعاني منه الشباب الكشميري، حيث يُقال لهم إنهم مواطنون هنود، في الوقت الذي يتم فيه حجبهم عن قصة نجاح الهند كقوة اقتصادية صاعدة. ليس هذا فحسب بل يتم تهميش هؤلاء الشباب، وحرمانهم من كافة المزايا والمنافع، التي يحصل عليها المواطنون الهنود في باقي أجزاء البلاد، ويجب على رئيس الوزراء الهندي "مان موهان سنج" اتخاذ خطوات جسورة لمعالجة شكاوى الكشميريين وتقديم بعض مبادرات التسوية، من خلال العمل على تنفيذ الوعود المقدمة من الحكومة من قبل، وعليه أن يدرك أن البطالة، وعدم المساواة، والحرمان من الفرص الاقتصادية قد تسببت جميعها في إصابة أهل الولاية بالإحباط. لقد حان الوقت لقيام الهند بتغيير استراتيجيتها في كشمير، والعمل على سحب الجيش من المناطق المدنية، والإعلان عن صفقة سياسية، تقدم برامج تنمية، وتتخذ إجراءات فورية لتقديم الدعم والمساعدة للمواطنين وتوفير الخدمات لهم، لتهدئة الموقف. وإذا لم يبدأ التغيير الآن، فإن ليل كشمير الطويل، سيصبح أكثر طولًا ودموية.