كل رمضان وأنتم إلى الله أقرب، وإلى قلوب الناس أحب، ورضاؤكم عن أنفسكم في تزايد وبعدكم عن السوء في تناقص. رمضان هلّ علينا منذ أيام، رمضان شهر لن أفيض في مدحه، فقد أثنى عليه نبي هذه الأمة، والخير فيما قاله تعالى: "وإنْ تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون". الأصل في الإنسان أنه خُلق على الفطرة السوية، ومن أركان هذه الفطرة توحيد الله سبحانه وتعالى وعدم الشرك به، ومن الفطرة السوية تعرف المعروف وتعمل به وتنكر المنكر وتتجنبه، ولكن مع انحراف البشرية عن منهج الله تعالى، أصيبت الإنسانية ببعض التجاوزات الخطرة عن هذه الفطرة، لذلك رأينا من يُشرك بالله تعالى، ومما يزيد الطين بلة أن بعض من أشرك بالله تجاوز في انحرافه، فأصبح يدعو إلى منهج الشرك، وهو منهج مخالف لفطرة الإنسان السوية، ولن أُطيل في بسط هذا المجال، لأننا كمسلمين موحدون والأصل أن لا يوجد بيننا من يُشرك بالله. ولكن مما ابتلينا به كمسلمين أن بعضنا أصيب بالنوع الثاني من الانحرافات عن الفطرة السوية. ومن هذه الانحرافات الوقوع في المعاصي التي تنكرها الفطرة الإنسانية السوية، وأن كان مبدأ الوقوع في الإثم له أصل من الشرع وصفه نبي هذه الأمة في قوله "كل ابن آدم خطّاء"، فكلنا ذلك الإنسان المعرض للخطأ والإثم في حياته، وهذا بحد ذاته لا يعد تجاوزاً عن الفطرة الإنسانية السوية. لكن التجاوز عندما يبرر الإنسان لنفسه الخطأ فبدلًا من الاعتراف بهذا الخطأ، والتوبة منه كما شرح الرسول عليه الصلاة والسلام في بقية الحديث الذي سبق ذكره في قوله "وخير الخطائين التوابون"، نجد أن من انحرف عن الفطرة لا يتوب بل قد يبرر لنفسه هذا الخطأ، وفي حالات متطرفة يدعو غيره للاشتراك في هذا الإثم تحت تبريرات عقلية منحرفة. دعوني أسوق لكم بعض الأمثلة، المسلم الذي انحرف في خطيئة الزنا، استطيع أن اقسم هؤلاء البشر إلى أصناف متعددة، منهم من يزني وهو مقر بأن ما يقوم به إثم لا بد أن يتوب منه، لذلك تجده يندم بعد كل مرة يرتكب خلالها هذه المعصية، والندم توبة كما ورد في بعض الآثار، وهذا المسلم سيتجاوز هذا الإثم في القريب العاجل لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول "كل أمتي معافى إلا المجاهرون"، " أي كل من ارتكب إثما سيتركه في يوم من الأيام إلا من رفض هذه الفرصة. الصنف الثاني، هو من يستحل الزنا، أي أنه لا يقر بإثم الجريمة التي يقع فيها عندما يهتك عرض إنسانة، لا تحل له ويشتري ذلك بالمال مستغلًا حاجة أو ضعف تلك الإنسانة، وهذا وقع في إثمين هما: الزنا واستحلال ما حرم الله تعالى، وهو في موقع أخطر من السابق له. الصنف الثالث، وهو الأخطر، وهو الذي يدعو غيره لهذه الجريمة. وهذا إثمه مضاعف، فهو مستحل لما حرم الله ومجاهر بالمعصية. وداع غيره للمنكر، فعليه إثمه وإثم من قلده في جرمه. رمضان فرصة لكل من وقع في إثم ومعصية، أو انحرف عن منهج الفطرة السوية للعودة إلى فطرته، وهذا ما سأفصله في مقال قادم.