لم تكن المجموعة الصغيرة من نشطاء البيئة تريد أكثر من وقف خطة شق الطريق عبر إحدى أهم الغابات المجاورة للعاصمة الروسية، موسكو، لما تكتسيه من أهمية بيئية فائقة، إلا أن الأسلوب الذي جابهت به الشرطة الروسية المتظاهرين كان قاسياً مما يشي بإصرار السلطات على الاستمرار في مد الطريق السريع، الذي يتكون من عشرة مسارب ويعبر إحدى غابات البلوط المهمة على مشارف العاصمة موسكو التي تشهد هذه الأيام إحدى أسوأ تجاربها مع التلوث بعد اندلاع الحرائق في العديد من المناطق ووصول الدخان إلى العاصمة. ويبدو أن المسؤولين في موسكو انزعجوا لرؤية المدافعين عن الغابة القريبة من العاصمة والتي تدعى "خيمكي" والمجاورة لقرية "ستوربييفو"، حيث تجمع حوالي مائة متظاهر سرعان ما وجدوا أنفسهم محاطين برجال الشرطة الذين منعوهم من التوغل في الغابة، رغم أنها حديقة عامة يفد إليها العديد من سكان موسكو هرباً من ضجيج المدينة وتلوثها. وعن هذا الموضوع، يوضح "سيرجي ميتروخين"، زعيم أحد الأحزاب الليبرالية الصغيرة في روسيا أن المطالبة بحماية الغابة هي مسألة مبدأ، معبراً عن ذلك بقوله "إنها غابة قديمة وهي جزء من الحزام الأخضر الذي يحيط بموسكو، لذا فإن مسألة قطعها للإفساح لطريق تجارية ستحصل رسوم عليها أمر يجب أن يبت فيه الرأي العام، لكن لا يوجد نقاش حول الموضوع، ومنع الشرطة لتجمع المواطنين وتعبيرهم عن مواقفهم". ورغم الطبيعة السلمية للمظاهرة الصغيرة أصلًا، قامت الشرطة باعتقال "ميتروخين" وأودعته في مكان خاص للتحقيق معه، حيث ووجهت له تهم "عصيان الشرطة" و"تنظيم مظاهرة غير مرخص بها"، وإنْ كان يصر على أنه مجرد مشارك وليس منظماً للحشد الذي اجتمع في الغابة، ولم يقتصر الأمر على زعيم الحزب الليبرالي بل انقضت الشرطة المتخصصة في تفريق الشغب والمعروفة باسم "أومون" على المتظاهرين لتعتقل منهم الكثيرين أبرزهم زعيم إحدى الجماعات اليسارية "سيرجي أودالتسيف"، وبعد ساعة من تدخل الشرطة لم يتبق من المتظاهرين سوى قلة قليلة رفعت هتافات معارضة لمد الطريق السريع ومنددة باحتمال قطع أشجار الغابة. هذا التدخل ضد نشطاء المجتمع المدني دفع "تاتنا لوكشينا"، من منظمة "هيومان رايتس ووتش" التي تتخذ من نيويورك مقراً لها إلى التنديد بها قائلة "هؤلاء الأشخاص كانوا فقط يريدون ممارسة حقوقهم الدستورية كحق التجمع وحرية التعبير عن الرأي"، مضيفة أن "مبررات قمع المظاهرة تبدو غير مقبولة. وقد بدأت المعركة البيئية ضد شق الطريق السريع وسط الغابة منذ أكثر من ثلاث سنوات عندما لاحظت امرأة تدعى "يفجينيا تشيريكوفا" حزاماً أحمر يطوق جانباً من الغابة في إشارة على ما يبدو للأشجار التي سيتم اقتلاعها، وبما أن الغابة تخضع لحماية القانون منذ عقود، عبأت "تشيريكوفا" الأهالي والرأي العام للتصدي للمخططات الرسمية. وقد عرفوا لاحقاً بعد نبشهم في ملابسات المخطط أن هناك شركة باسم "أفتودور" تابعة لوزارة النقل، تخطط لمد طريقة مدفوعة الرسوم لتخفيف الضغط على الطريق السريع الرابطة بين موسكو ومدينة "سانت بيترسبورج". بالإضافة إلى إقامة طريق مختصر يصل إلى مطار "شيريميتيفو" في موسكو، وإلى جانب النشطاء المحليين، تقف مجموعة من المنظمات البيئية الدولية التي ترى في تدمير إحدى الغابات الكبرى المحيطة بموسكو ضربة قاسية موجهة للبيئة سيؤثر سلباً على جودة الهواء في العاصمة. وفي هذا الإطار، يقول "أليكسي يوروشينكو"، رئيس فريق الغابات ضمن منظمة "السلام الأخضر" إن الطريق المقترحة "ستشغل مساحة تمثل 15 في المئة من إجمالي الغابة، لكن المشكلة الأكبر هي تجزئة الغابة وتمزيقها"، مضيفاً أن "استقرار الغابة واستمرارها يعتمد على بقائها مجتمعة، والخطورة أنه بالإصرار على شق الطريق سيقضى نهائياً على الغابة". غير أن العديد من سكان موسكو أنفسهم لا يعارضون إقامة الطريق التي يعتبرونها حلا مناسباً لمشكلة الاختناقات المرورية التي تعرفها العاصمة الروسية، وهو ما عبرت عنه "نتاليا مودينا" المتحدثة الرسيمة باسم هيئة الطرق الفيدرالية بقولها: "إن الطريق ضرورية للتخفيف من الازدحام المروري، لا سيما في اتجاه المطار الذي يقدم خدماته لأكثر من عشرة ملايين مسافر في السنة"، إلا أن "تشيريكوفا" تشير إلى غياب بدائل في طرح هذه الصفقة، معتبرة أن خيارات بديلة عدا الطريق لم يتم النظر فيها على نحو جدي، مضيفة أن اختيار موقع الطريق وسط الغابة لم يأتِ اعتباطاً، فالأرض التي ستمر منها الطريق تملكها الحكومة وستحظى بتطوير على جنباتها لذلك يتخاطف عليها المستثمرون الذين يريدون شراءها من الدولة بدفع عمولات إلى مسؤولين كبار في موسكو، وهو ما تعبر عنه قائلة "نحن لسنا ضد بناء طريق جديدة من حيث المبدأ، لكن عندما نرى كيف تخترق الطريق الغابة ندرك أن الهدف هو إقامة محلات تجارية على طول الطريق لجذب عدد أكبر من الزوار على حساب التوازن البيئي في المنطقة"؛ والحقيقة أن المخطط ماض في طريقه رغم معارضة نشطاء البيئة، هذا على الأقل ما يوحي به القرار الذي وقعه رئيس الوزراء، فلاديمير بوتين، في العام الماضي بإزالة وضع الحماية عن غابة "خيمكي"، بالإضافة إلى رفض المحكمة العليا لدعوى رفعها بعض المواطنين تطعن في القرار. فريد وير-روسيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"