لا شك أن حلول شهر رمضان المبارك يمثل فرصة للمسلمين للاقتراب من القيم الإسلامية والعيش في رحاب القرآن وما يشيعه في النفوس من قيم التراحم والبر والتقوى والتسامح. إن الطابع الروحاني الذي يحلق في أجواء العالم الإسلامي، يمثل في تقديري مناسبة لتعزيز الصورة الإيجابية للإسلام في كافة بقاع الأرض وخاصة في الغرب الأوروبي والأميركي... فنحن نعلم أن هناك تيارات في هذا الغرب منذ أحداث 11 سبتمبر 2001 تحاول الإساءة إلى صورة العرب والمسلمين وتقديم الهوية الإسلامية والقيم المرتبطة بها على أنها مصدر خطر على الحضارة الغربية. وإذا كانت جهات ثقافية متعددة قد تحركت في العالم العربي للتصدي لهذه المحاولات المسيئة للإسلام، سواء بإنشاء مراصد للحوار بين الثقافات أو منابر للحوار بين الأديان، فإن الملاحظة الرئيسية على هذه الجهود المهمة تتعلق بمدى التأثير الذي تحدثه في الغرب. إن اهتمام المراصد بمتابعة القضايا والموضوعات التي تنشر في الصحافة ووسائل الإعلام الغربية حول الإسلام أمر شديد الأهمية بالطبع لتشخيص الحالة الفكرية السائدة حول الإسلام في هذه المصادر، ولتحديد مصادر الإساءة واكتشاف مصادر النظرة المعتدلة والمنصفة للإسلام. لكن الأهم هو الخطوة التالية للتشخيص وهي خطوة العلاج وتصحيح الصور الذهنية والمفاهيم السلبية التي تبثها بعض الأقلام والرسوم في الرأي العام الغربي. هنا تكمن أهمية نقل الطابع الروحاني الصافي الفياض بالتقوى والسماحة والمحبة الذي يشيعه رمضان إلى أوسع قطاعات ممكنة من الرأي العام في الدول الغربية. إن هذا النقل لن يتحقق على المدى المطلوب إلا من خلال شبكات التلفزيون الغربية واسعة الانتشار، ذلك أن الصورة والممارسات الحية للمسلمين في أماكن تجمعهم الطبيعية، سواء في المساجد أو في المحافل العلمية والدينية أو في الأسواق... هي السلاح الأقوى والأمضى من كل محاولات الشرح الموضوعي لطبيعة الإسلام السمحة بأقلام المثقفين. والسؤال هنا يتعلق بالجهات العربية القادرة على تنظيم حملة تغطية حية لحياة المسلمين وبرهم بالناس ومباهجهم الرمضانية في التلفزيونات الغربية الرئيسية على تنوع لغاتها. أعتقد أن وزارات الثقافة والإعلام والأجهزة التابعة لها في العالم العربي، بالتعاون مع وزارات الخارجية، هي الجهات الرئيسية التي يجب أن تقوم بهذه التغطية، ويمكن إشراك مؤسسات المجتمع المدني العربي المعنية بذلك. وإذا تحدثنا عن عنصر الوقت فإن الوقت ما زال متسعاً لتكليف مجموعات الكتاب المتخصصين في السيناريو والمخرجين السينمائيين والتلفزيونيين بالشروع في وضع عدة نماذج للأفلام التي تصور حياتنا الروحية في رمضان. وإذا تحدثنا عن طبيعة المادة فإنها يجب أن توضع في إطار من التشويق الدرامي المصاحب للأفلام التسجيلية لتكون الصور جاذبة لعين المشاهد الغربي المنتمي للحضارة المسيحية. أما اختيار زمن هذه الصور فيجب أن يتسم بقصر المدة أي بين 10 و15 دقيقة، وكذلك يجب اختيار أوقات العرض في المساحات الإعلانية في أوقات ذروة المشاهدة في التلفزيونات الغربية. إن تقديم رمضان في تلازم مع قيم السماحة في القرآن من خلال عدة أفلام قصيرة متتالية خلال أسبوعين مثلاً، يمكن أن يحقق لنا تبديل الصور النمطية السلبية عن الإسلام في الغرب بقوة تفوق تأثير مئات المؤتمرات التي تعقد مع المثقفين، ويعزز صورة الإسلام لدى قطاعات واسعة من الرأي العام الأجنبي، وهذا حق رمضان وحق الإسلام علينا.