يحل علينا شهر رمضان كل عام بظلال من الأمن والسكينة تعم جميع المجتمعات الإسلامية، وتتعدد الأنشطة والبرامج التي تصاحب أيام وليالي الشهر الفضيل لتمنحه صبغة خاصة تختلف عن سائر الأشهر، كما تختلف تلك الأنشطة والبرامج بين مجتمع وآخر لتتأثر بطبيعة المجتمع وتقاليده وتراثه المحلي. وتمثل الأنشطة الرمضانية فرصة ذهبية للتعريف بالإسلام وتقديمه للآخر بصورة تظهر سماحته وإنسانيته وبالذات في المجتمعات الإسلامية التي تكثر فيها أعداد العاملين الأجانب كدول الخليج العربية حيث تقل ساعات العمل الرسمية وتزداد ساعات الفراغ نتيجة لتغير طبيعة الالتزامات اليومية للأسر والأفراد. ويحضرني هنا نموذج متميز منبثق من طبيعة مجتمع الإمارات في إقامة موائد الإفطار في رمضان واستقبال عامة الناس بغض النظر عن مستوياتهم الاجتماعية أو خلفياتهم الفكرية في مجالس مفتوحة ترحب بجميع الداخلين فيها وتبرز فيها خصال التآلف والتعاضد وتغمرها مشاعر الرحمة والإنسانية. ولعل أبرز مثال لهذا النموذج الإماراتي هو مجلس الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان الذي يرتاده المئات يومياً خلال الشهر الكريم. ويمثل رواد هذا المجلس القارات الخمس؛ فالاختلاف واضح وجلي بينهم في كل شيء عدا محبتهم لصاحب المجلس واحترامهم لقيم مجتمع الإمارات ودينه وتقاليده وتقديرهم لذلك كله. فهم مختلفون في ألوانهم وبلدانهم وأديانهم وأعراقهم، لكنهم يتعاملون مع رواد المجلس بقلوب وعقول مفتوحة. بل على مر السنين الماضية أعرف بعض هؤلاء الذين يمسكون عن الطعام خلال رمضان أسوة بنا رغم اختلاف أديانهم، والبعض منهم حريص على الحضور اليومي لأنه يستمتع بهذا الاحتكاك الفكري والثقافي ويتعرف على أشياء جديدة كل يوم تزيد من تقديره لثقافتنا وهويتنا. وهذا التأثر والتفاعل يحدث لأن صاحب المجلس يستقبل الجميع بابتسامة مشرقة وقلب مفتوح، بل إن كل واحد في ذلك المجلس يشعر أنه هو أهم شخص فيه وأنه صاحب الحظوة والأقرب وإن كانت تلك أول ليلة له في المجلس أو كان ذلك أول لقاء له بالشيخ نهيان. إنه نموذج عملي يُبرز أخلاق الإسلام وسماحته ويترك أثره في نفس كل فرد دخل ذلك المجلس ومن ثم يتحول هؤلاء إلى محبين للعرب والمسلمين ينقلون إلى مجتمعاتهم صورة إيجابية ويدافعون عن مصالحنا وهم أفضل من يتصدى للذين يهاجموننا من بني جلدتهم، إنه تطبيق عملي نابع من القلب يعبر ببساطة ووضوح عن سماحة الإسلام وإنسانيته ويأسر قلوب المحيطين مهما كانت خلفياتهم ويترك بصمة جلية ومؤثرة في نفوسهم نحن بحاجة إليها وإلى الكثير من أمثالها لكي نبرز الصورة المشرقة للإسلام في العالم أجمع.