يحفر "الجمهوريون" حفرة عميقة لأنفسهم بخصوص المواضيع المتعلقة بالشرق الأوسط والإسلام، مما يعكس إلى أي مدى بات حزبهم أسيرا لمجموعة المحافظين الجدد المؤمنين بـ"صدام الحضارات" وشركائهم على "اليمين المسيحي الإنجيلي". ويصبح هذا الانجراف واضحاً عندما نستمع إلى تصريحات زعماء "جمهوريين" ونستطلع مواقف قاعدة الحزب. وإذا كانت التصريحات التي صدرت قبل بضعة أسابيع عن المرشحين الرئاسيين السابقين سارة بالين ونيوت جينجريتش، اللذين عارضا بناء مسجد في مدينة نيويورك، تعد مثالاً جيداً في هذا السياق (حيث وصفت بالين بناء المسجد بأنه "طعنة للقلب" في حين قال جينجريتش إن أميركا تشهد هجوما إسلاميا ثقافيا سياسيا يروم تقويض وتدمير حضارتنا")، فإن تصريحات منافسين "جمهوريين" كبار آخرين ليست أفضل منها. فهذا "مايك هاكابي"، وهو أحد زعماء اليمين الديني، أدلى بتصريحات إلى مُحطة من شأن المسلمين ويدعم إسرائيل على نحو غريب لدرجة أنه قال "إنه لا يوجد شيء اسمه فلسطيني". أما "ميت رومني"، الذي كان حاكما لولاية ماساتشوسيتس في وقت من الأوقات وبات عزيزا على قلوب "المحافظين" اليوم، فقد اقترح على الحكومة في أكثر من مناسبة التنصت على المساجد. كما يعارض الحزبُ "الجمهوري" بشدة مبادرةَ السلام في الشرق الأوسط التي يتبناها أوباما وجهودَ التقرب من العالم الإسلامي. وقد تقابلتُ، بعد الخطاب الذي ألقاه بجامعة القاهرة في يونيو 2009، في نقاش مع "ليز تشيني" والسيناتور السابق "جورج آلن"، اللذين انتقدا الرئيس واتهماه ببخس أميركا حق قدرها لكسب تأييد المسلمين. كما اتهماه بـ"المعادلة الأخلاقية" (بمعنى أنه يساوي بين قلقه على الفلسطينيين والقلق الأميركي التقليدي على الإسرائيليين) وبـ"الاعتذار" عن استعمال التعذيب وحرب العراق. جهود تسجيل نقاط سياسية حزبية عبر استغلال المخاوف من المسلمين، واشتداد حدة التوتر الناشئ عن النزاع العربي الإسرائيلي، دفعت أيضا اثنين من عتاة الجمهوريين هما "بيل كريستول" (رئيس تحرير مجلة "ويكلي ستاندرد" المحسوب على المحافظين الجدد) وجاري بوور (المرشح الرئاسي في يوم من الأيام وزعيم اليمين المسيحي)، لتأسيس "لجنة الطوارئ من أجل إسرائيل"، التي رعت إعلانات تلفزيونية تهاجم مرشحاً ديمقراطياً لمجلس الشيوخ وتتهمه بالتقرب من المسلمين المتشددين وبمناصبة إسرائيل العداء. ويَظهر الموقفُ المتشدد القوي نفسه في الكونجرس. فالأسبوع الماضي فقط، اقترح "الجمهوري" لوي جومرت من ولاية تكساس مشروع قرار يرخص بشكل صريح لهجوم إسرائيلي على إيران. ولئن كان بالإمكان وصف جومرت باعتباره شخصا متقلبا يصعب التنبؤ بأفعاله أو السيطرة عليه - نظرا لميله للخطابات الأصولية الطويلة حول ادعاء إسرائيل الأحقية على الأرض المقدسة – فإن المثير للقلق هو حقيقة أن قراره بشأن "هجوم إسرائيلي على إيران" لقي دعم ثلث "الجمهوريين". ثم في الأسبوع الماضي، قامت عضو مجلس النواب عن فلوريدا "إلينا روس ليتنن"، التي قد تصبح رئيسة لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الأميركي في حال سيطر "الجمهوريون" على الكونجرس، بالرد على محاولة إدارة أوباما رفع وضع مكتب "منظمة التحرير الفلسطينية" في واشنطن عبر رسالة تدعو هيلاري كلينتون إلى طرد الدبلوماسيين الفلسطينيين من الولايات المتحدة ونقل السفارة الأميركية في إسرائيل إلى القدس. واللافت أن هذا الانجراف الإيديولوجي بدأ يشمل قاعدة الحزب كذلك وقد أخذت ملامحه تظهر اليوم في بعض الانتخابات عبر الولايات المتحدة. ففي ولاية كولورادو، على سبيل المثال، انتقدت "جين نورتون "المرشحةُ الجمهورية لمجلس الشيوخ جهودَ إدارة أوباما الرامية إلى شمل المسلمين في البرامج العلمية والتكنولوجية لوكالة الفضاء الأميركية "ناسا"، واصفة إياها بأنها جهود "للشعور بالرضا عن الذات" لا يمكن للأميركيين أن يسمحوا بها. وفي ولاية تينيسي، نُقل عن نائب الحاكم "رون رمزي" قوله: "يمكن للمرء أن يذهب إلى حد المجادلة بما إن كان كون المرء مسلما ديناً أم جنسية، أسلوب حياة أم عبادة". كما جعل مرشح للكونجرس بولاية تينيسي من جهود الجالية المسلمة لبناء مسجد هناك مشكلة وقال: "إن بلدنا تأسس على مبادئ التقاليد اليهودية المسيحية، ولدينا الحق للدفاع عن تلك التقاليد". زواج "المحافظين الجدد" واليمين المسيحي، وتأثيره على المقاربة التي يتبناها الحزب الجمهوري تجاه سياسة الشرق الأوسط، كان واضحاً أيضا الأسبوع الماضي في التجمع السنوي لمنظمة "مسيحيين متحدين من أجل إسرائيل" بواشنطن. ولئن كان ديمقراطي واحد قد شارك في هذا المؤتمر (عضو مجلس النواب شيلي بيركلي المحسوبة على الصقور) فإن قائمة النجوم المشاركين شملت منسقَ الأقلية الجمهورية في مجلس النواب، و"جمهوريين" منتخَبين آخرين، ومسؤولين منتخَبين سابقين، وممثلي منظمات يمينية متشددة مؤيدة لإسرائيل، ومراكز بحوث محافظة. غير أن لكل هذا تأثيرا كبيرا جدا على تعميق الانقسام بين الحزبين بخصوص عدد من المواضيع، مثل الكيفية التي يقارب بها الديمقراطيون والجمهوريون مواضيع سياسة الشرق الأوسط. وقد لاحظنا هوة كبيرة ومثيرة للقلق بين الحزبين في استطلاعات الرأي. فجواباً على سؤال "كيف ينبغي على إدارة أوباما أن تسعى إلى تحقيق السلام في الشرق الأوسط؟" مثلا، قال 14 في المئة من الديمقراطيين "دعم إسرائيل"، واختار 5 في المئة "دعم الفلسطينيين"، بينما رد 74 في المئة بأن الولايات المتحدة "ينبغي أن تلتزم طريقاً وسطاً". وبالمقابل، قال 71 في المئة من الجمهوريين "دعم إسرائيل"، وقال 3 في المئة "دعم الفلسطينيين"، في حين اختار 20 في المئة فقط "التزام طريق وسط". إن هذا الانجراف الجمهوري وشراسة خطابهم المعادي للعرب وللمسلمين يبعث على القلق؛ ولكن انخراط أميركا في الشرق الأوسط وجنوب آسيا أهم، والأخطار التي نواجهها أكبر، من أن نسمح لهذا الخبث وسوء الفهم بالترسخ في أحد أحزابنا السياسية – وبخاصة عندما يبدو الزعماء الحاليون لذلك الحزب جد مستعدين لنفث سمهم واستعماله لتحقيق مآرب سياسية. والحق أنه حتى جورج دبليو. بوش، ورغم كل عيوبه، كان أكثر حكمة وتعقلا، وكذلك كان وزيراه في الخارجية ووالده والعديد من الزعماء "الجمهوريين" الآخرين من الماضي القريب. لقد آن الأوان ليتقدم هؤلاء "المحافظون" التقليديون إلى الأمام ويتحَدَّوا المجموعةَ الحالية التي تقود حزبهم - وقد تقود بلدنا - نحو حفرة عميقة.