في الخامس من الشهر الجاري، سلطت على محكمة لاهاي بؤرة ضوء لا تسلط عادة إلا على أكبر مهرجانات عروض الأزياء التي تنظم في باريس وميلانو ونيويورك. فقد وقفت أمامها النجمة والعارضة المشهورة نعومي كامبل، لتدلي بشهادتها في محاكمة الرئيس الليبري السابق تشارلز تايلور، الذي يواجه هناك تهماً بارتكاب عدة جرائم ضد الإنسانية، تتضمن القتل والاستغلال الجنسي والعنف والاسترقاق، إضافة إلى جرائم أخرى لها صلة بالإرهاب والتعذيب. ولكن: كيف حدث أن تحولت هذه العارضة العالمية إلى شاهد إثبات أمام محكمة لاهاي لجرائم الحرب في سيراليون؟ إليكم الإجابة ببساطة شديدة: يزعم أن تايلور كان قد أعطى في عام 1997 هدية لنعومي كامبل، عبارة عن قطعة من الألماس المتحصل من متمردي سيراليون السابقين -الذي يسمى عادة "ألماس الدم" بسبب ما ارتبط به من نزاعات ومجازر. وكانت حجارة الألماس الثمينة تلك تستخدم في تمويل الحروب الأهلية والإقليمية، إضافة إلى تمويل مختلف النزاعات الأخرى. وقد سعى ممثلو الاتهام في القضية إلى شهادة كامبل وعولوا عليها كثيراً لأهميتها في تحديد الفترة الزمنية التي حصل فيها تايلور على الألماس من متمردي جارته سيراليون. ويزعم أن تايلور قايض حجارة الألماس الثمينة تلك بأسلحة مد بها المتمردين السيراليونيين، الذين ضمن مقاتليهم أطفال صغار، تم تجنيدهم عنوة وأرغموا على حمل السلاح والقتال. كما استغل هؤلاء الأطفال في شن هجمات دموية وحشية على المدنيين. وفي حياتها اليومية العامة، عرف عن كامبل رفضها، بل حتى كراهيتها لأي نقاش عن تلك القضية. وضمن ذلك الرفض، بثت عنها عبر شبكة الإنترنت لقطة فيديو صفعت فيها كاميرا صحفي عندما وجه إليها سؤالاً عن قطعة الألماس التي يزعم أن تايلور أهداها إياها. كما احتجت كامبل عندما أثارت المقدمة الأميركية "أوبرا وينفري" القضية نفسها أثناء لقاء أجرته معها في برنامجها التلفزيوني الشهير. وعلى رغم رفض كامبل الشخصي التطرق إلى الأمر، فإن لشهادتها القضائية أهمية كبيرة، لكونها تكشف عن الطريقة التي تمول بها الفظائع الجماعية التي ترتكب بحق بعض المجتمعات والشعوب الأفريقية. وكما نعلم فإن القتل الجماعي لا يمول نفسه ذاتيّاً. وفي محاكمة تايلور هذه، يزعم ممثلو الاتهام أن أحجار الألماس هي التي مولت شراء الأسلحة التي أزهقت أرواح الآلاف وأعاقت وأرهبت آلافاً أخرى كثيرة. كما تكشف محاكمة تايلور أن مدبري هذه الفظائع لا يعملون عادة بمفردهم. فهم يعتمدون على طرف ثالث، أو عدة أطراف ثالثة، تمكنهم من تنفيذ ما صمموا عليه، وتوفر لهم الوسائل التي تسهل عليهم ارتكاب جرائمهم المروعة. ويحدث ذلك بعلم الأطراف الثلاثة هذه، أو حتى على رغم عدم علمها بما تقوم به. ولا ريب أن من شأن التعرف على هذه الأطراف الثلاثة ووضع حد لنشاطها، إعاقة أو وقف المجرمين عن ارتكاب جرائمهم. وعلى سبيل المثال، يعرف عن الجماعات التي ترتكب جرائم قتل واغتصاب المدنيين في جمهورية الكونجو الديمقراطية، أنها تتاجر بمعادن الذهب والحديد و"التنجستن" و"التانتالوم" التي تستخرج من المناجم التي تسيطر عليها تلك الجماعات. والهدف من تلك التجارة بالطبع، هو الحصول على الأسلحة والمال وغيرهما من الموارد المعينة لنشاطهم الإجرامي. وينتهي أمر بعض هذه المعادن المستخلصة إلى أن يكون عنصراً في صناعة الهواتف النقالة وأجهزة الكمبيوتر التي تباع في الولايات المتحدة والغرب. وهذا ما دعا "ستيف جوبز" الرئيس التنفيذي لشركة "آبل ماكنتوش" إلى أن يكتب مؤخراً كما يلي: "نطالب جميع موردينا بأن يقدموا لنا شهادة مكتوبة بخلو المواد التي يستخدمونها من أن تكون مأخوذة من مناطق النزاعات. ولكن يصعب من الناحية العملية التأكد مما إذا كانت المواد المستخدمة من قبل الموردين خالية من تلك الشائبة فعلاً، وستبقى كذلك إلى أن يتمكن شخص ما من اكتشاف طريقة قادرة على التعقب الكيميائي للمعادن المستخدمة في صنع الهواتف النقالة وأجهزة الكمبيوتر، ويعيدها إلى المعدن الذي استخرجت منه. وهذه معضلة شائكة جداً كما نعلم". وقد أصاب "جوبز" في قوله ضمناً إن معادن النزاعات تخلق مشكلة كبيرة للشركات الاستثمارية والمستهلكين على حد سواء. ولكن ليس علينا أن ننتظر حتى يظهر عبقري كيميائي يحل لنا هذه المعضلة، ثم نبدأ بعد ذلك بتعقب المجرمين ومحاكمتهم. ومما يحمد للولايات المتحدة اتخاذها سبيلاً آخر لحل هذه المعضلة. فقد وقع الرئيس أوباما، الشهر الماضي، على قانون إصلاحي في هذا الشأن، ينص على إلزام الشركات الأميركية بتقديم تقرير سنوي للجنة الأوراق المالية والصرافات، يتم فيه الكشف عما إذا كانت منتجات الشركات تحتوي على معادن مستخرجة في جمهورية الكونجو والدول المجاورة لها. وعليه يتوقع أن تطالب الشركات المنتجة لأجهزة الكمبيوتر والهواتف النقالة وغيرها، بأن تفصّل في تقريرها السنوي المقدم للجنة المذكورة آنفاً، الخطوات التي اتخذتها لاستبعاد المعادن المستخرجة في مناطق النزاعات من خطوط إنتاجها. ومن أجل الحيلولة دون حدوث جرائم قتل جماعي في دولة أفريقية أخرى متوقعة خلال الشهور القليلة المقبلة، فإنه يتعين على إدارة أوباما أن تنخرط في نشاط دبلوماسي كثيف مع جميع الأطراف الفاعلة هناك، وخاصة الأطراف الثلاثة التي تزود أطراف النزاعات وجماعات التمرد بالأسلحة والذخائر، على رغم الحظر الاقتصادي المفروض على ذلك، وعلى رغم توفر أدلة كافية على تورط الأطراف المعنية في فظائع ارتكبت بحق السكان المدنيين العزل. وكانت سوزان رايس، سفيرة أميركا لدى الأمم المتحدة، قد نددت في شهر مارس الماضي بانتهاك حظر الأسلحة المفروض في حالة الصراع الكونجولي، وطالبت لجنة مجلس الأمن الدولي المختصة بالعقوبات المفروضة باتخاذ الإجراءات اللازمة ضد تلك الانتهاكات. وربما لا تدرك العارضة البريطانية النجم أن لشهادتها أهمية كبيرة في الكشف عن كيفية تمويل جرائم القتل الجماعي بحق السكان المدنيين العزل، غير أن شهادتها هذه ربما تعين على وقف جرائم مماثلة نخشى وقوعها قريباً في أكثر من دولة أفريقية. إليسا ماسيمينو رئيسة منظمة "حقوق الإنسان أولاً" ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشيونال"