من عادة السياسيين أن يؤكدوا -بدلاً من أن ينفوا- الانتقادات الموجهة إليهم بسبب الأخطاء التي ارتكبوها وأدخلتهم في الورطة التي يواجهونها في المقام الأول. ويحدث ذلك عادة في حالات الضغط السياسي. وبينما يتذبذب القادرون منهم على التذبذب، ينفجر الضعفاء وغير الحاذقين لقوانين اللعبة السياسية. واليوم يواجه "الديمقراطيون" ضغطاً سياسيّاً كبيراً. فقد انفض من حولهم المستقلون، جراء الخوف والقلق من تنامي الديون وتزايد عجز الموازنة العامة، مقابل الارتفاع الهائل في الإنفاق الحكومي. وفي الجانب الآخر تميل كفة الميزان السياسي لصالح خصومهم "الجمهوريين". فقد أشارت نتائج استطلاع للرأي العام أجرته مؤخراً مؤسسة "جالوب" إلى أن عدد الناخبين "الجمهوريين" الذين أعربوا عن رغبتهم في التصويت في انتخابات 2010، يعادل ضعف عدد "الديمقراطيين" الذين أعربوا عن الرغبة نفسها، أي بنسبة 44 إلى 22 في المئة. وفي الوقت نفسه انخفضت شعبية أوباما ورضا الناخبين عن أدائه إلى نسبة 40 في المئة، مع وجود أغلبية كبيرة ناقمة على أدائه في مجال السياسات الاقتصادية والتصدي لمعدلات العجز المالي الحكومي والرعاية الصحية. وفي هذا المسار، فإن من الطبيعي أن ينتبه "الديمقراطيون" إلى أن عرش السلطة قد بدأ ينهار على رؤوسهم، وأن الأغلبية المريحة التي كانوا يتمتعون بها في مجلس الشيوخ باتت مهددة بالتلاشي مع اقتراب موعد انتخابات نوفمبر المقبلة، بينما لم يتبق الكثير من رأس المال السياسي لأوباما، حتى يتمكن من الظهور في الكثير من المنابر والمحافل مثلما كان يفعل من قبل. فكيف كانت استجابة "الديمقراطيين" لكل هذا؟ الإجابة القصيرة الشافية هي: اتباع سلسلة من التكتيكات التي زادت طينهم بلة وسوءاً على سوء. وأول تلك التكتيكات: وصف "الجمهوريين" بأنهم "حزب لا" أي الحزب الرافض والمعرقل لأية خطوة يخطوها "الديمقراطيون"، وخاصة الإجراءات الضرورية لإنشاء المزيد من الوظائف الجديدة وتحسين مستوى الأداء الاقتصادي. وقد طبق نائب الرئيس، بايدن، هذا الانتقاد والوصف للخصوم السياسيين على ميزانية الحفز الاقتصادي بقوله: لقد وصف الكثيرون هذه الميزانية بالضآلة والصغر. ولولا معارضة "الجمهوريين" لها، لكانت أكبر مما هي عليه، ولا أشك في ذلك مطلقاً. والكارثة أن هذه هي استجابة نائب الرئيس لقلق الأميركيين ومخاوفهم الاقتصادية. وبتأكيد "بايدن" أن في وسع الإدارة أن تنفق ما يزيد على 862 مليار دولار على ميزانية الحفز الاقتصادي فيما لو كان نفوذ الحزب "الديمقراطي" أكبر على واشنطن، في البيت الأبيض وفي كلا مجلسي الكونجرس، إنما يزيد مخاوف الأميركيين من أداء الإدارة في الجانب الاقتصادي وإدارتها للميزانية العامة، بدلاً من أن يطمئنهم ويهدئ من روعهم الاقتصادي. وفي مجالي إصلاح نظام الرعاية الصحية وضخامة الإنفاق الحكومي، تورط أيضاً "الديمقراطيون" في خوض معركة حامية لها صلة بحجم ودور الحكومة. وفي الوقت الحالي، فإن التلخيص المباشر لاستجابة "الجمهوريين" لسياسات الإدارة في المجالين المذكورين هو الصياح بكلمة "قفوا عند حدكم". وفي حين لا يكفي الصياح بكلمة "قفوا" وحدها في السباق الرئاسي الذي يطالب المرشحين والحزبين بتقديم أجندة وبرامج عمل إيجابية للناخبين، فإن الصياح بالكلمة نفسها، يعد أكثر من كافٍ في انتخابات نوفمبر النصفية التكميلية، التي تعتبر استفتاءً شعبيّاً على أداء الرئيس والكونجرس معاً. أما التكتيك الثاني فيتمثل في الربط بين "الجمهوريين" وتطرف حركة "حفلات الشاي"، وهو ربط قد يذكّر المراقب بمحاولة "الديمقراطيين" سابقاً الربط بين خصومهم "الجمهوريين" والمحافظين، واليمين الديني. وفي كلا الحالين فإن هناك مظاهر تطرف يجب انتقادها. غير أن حوالي ثلث الأميركيين الآن يؤيدون حركة "حفلات الشاي" النشطة، ويرتبطون بها على نحو أو آخر. وكما أشار ويليام جلاستون -من مؤسسة بروكنجز- فإن معظم الأميركيين اليوم يضعون أنفسهم في مكان ما من الطيف السياسي الأيديولوجي، أكثر قرباً إلى "حفلات الشاي"، منه إلى الحزب "الديمقراطي"، الذي يبدو لهم حزباً مفرطاً في ليبراليته. وعليه فإن الهجوم الذي يشنه "الديمقراطيون" على "حفلات الشاي"، يثير غضب الكثير من الناخبين، في الوقت ذاته الذي يزداد فيه الناخبون الشعبويون "الجمهوريون" تشدداً وتطرفاً بسبب تلك الأوصاف. والتكتيك الثالث الذي تبناه "الديمقراطيون" في محاولة ندب حظهم العاثر هو إلقاء اللوم على إدارة بوش. ويلاحظ أن هذا التكتيك هو المفضل للرئيس أوباما بالذات. فخلال هذا الأسبوع ألقى أوباما باللائمة على سلفه بوش، محملاً إياه المسؤولية عن المشاكل الاقتصادية التي تواجهها البلاد، بينما حاول سحب النجاح الذي حققته استراتيجية زيادة عدد القوات في العراق من تحت قدميه. هذا مع أن أوباما كان قد عارض تلك الاستراتيجية بقوة. وتكمن محنة "الديمقراطيين" في أن الصحيح هو عكس ما يتصورونه تماماً عن بوش. فمعظمهم سينظر إلى بوش باعتباره شخصية تتمتع بقدر كبير من الكياسة واللباقة، ليس لأنه لم يرد على الانتقادات العنيفة التي ظل يوجهها إليه "الديمقراطيون" فحسب، بل لأنه أيضاً أبدى روح تعاون طيبة مع الإدارة الجديدة، ومد لها يد العون عندما طلب منه أوباما الذهاب إلى هايتي أيام كارثة الزلازل التي عصفت بها. وبمرور الوقت على إمساك الإدارة بزمام القيادة، ليس في المكتب البيضاوي وحده، وإنما في كل هيئة حكومية منتخبة، وبعد أن تحققت لـ"الديمقراطيين" معظم تطلعاتهم التشريعية، تتراجع تدريجيّاً مصداقية الانتقادات الموجهة إلى بوش، خاصةً وقد مر على عمر هذه الإدارة 18 شهراً من تسلمها للمسؤولية والقيادة. والمرجح أن تضر هذه التكتيكات كثيراً بالحزب "الديمقراطي" في شهر نوفمبر المقبل. مايكل جيرسون محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست"