في عملية ليس من الممكن تخيلها بسهولة، قام موقع إلكتروني يسمى "ويكيليكس"، بنشر حوالي 192 ألف وثيقة عسكرية سرية غطت فترة زمنية مدتها ست سنوات تقريباً. وتأتي خطورة ذلك التسريب من تأثيراته على استراتيجية الإدارة الأميركية الحالية، القائمة على تصعيد الحرب في أفغانستان وإرسال المزيد من القوات إلى هناك، فهذه الاستراتيجية تخضع لضغوط شديدة من المعارضين لها داخل الولايات المتحدة، وذلك في الوقت الذي تستعد الإدارة الأميركية للدفاع عنها أمام الكونجرس الذي يناقش هذه الأيام، تمويل الحرب في أفغانستان. لقد هبطت تلك التسريبات هبوط الصاعقة على الإدارة والسياسة والمجتمع في الولايات المتحدة، فالوثائق التي تم الكشف عنها تحتوي على تفاصيل دقيقة توضح بأن إدارة الحرب منذ شنها عام 2001، لم ترتق إلى المستوى الذي يفترض أن تقوم به قوة عظمى كالولايات المتحدة سواء كان ذلك أثناء الإدارة السابقة أو الحالية، وهو أمر يضعف كثيراً من حظوظ الإدارة أمام الكونجرس والعامة الأميركية، وقد أتت في وقت حساس جداً بالنسبة لتفاعلات السياسة في الولايات المتحدة. إن مسار الحرب في هذه المرحلة يكشف عن صعوبات جمة على الأرض وعن عدد متزايد من القتلى سواء في صفوف القوات الأفغانية أو قوات الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، وهذا النوع من الحقائق يجعل من النقاش حول جدوى الحرب وتصعيدها، مسألة ذات نطاق واسع يهدد كثيراً المستقبل السياسي للعديد من السياسيين الأميركيين المتواجدين في السلطة، لأن الناخب في الولايات المتحدة شديد التأثر سلبياً بالأنباء التي تحمل له سقوط قتلى أميركيين عديدين في حرب بعيدة جداً عن بلاده. وهذا التأثير ليس حادثاً في المجتمع الأميركي فقط، لكنه يحدث في أوساط العديد من المسؤولين العاملين في الإدارة الحالية الذين بدأ البعض منهم يطرح تساؤلاته بصوت عال حول السياسة المتبعة حالياً في أفغانستان. الحقيقة المعروفة عن الإنسان في الولايات المتحدة، هي أنه شديد الحساسية تجاه منظر التوابيت الملفوفة في أعلام البلاد، التي تعود بها طائرات الشحن العملاقة من الخارج، وهي تحوي جنوداً أميركيين قتلوا في معارك بعيدة عن أرضهم، وتنعكس تلك الحساسية في ما يتخذه الكونجرس من قرارات، وما يسنه من تشريعات، وفي ما يمارسه الناخب أثناء إدلائه بصوته في الانتخابات التشريعية النصفية أولاً، وفي انتخابات الرئاسة لاحقاً، والإدارة الحالية أمامها كلا الأمرين على المدى الذي يزيد قليلاً على السنتين من الآن، فالانتخابات النصفية لعضوية الكونجرس قريبة، وبقي على الانتخابات الرئاسية القادمة حوالي 26 شهراً فقط. وهنا ينشأ لدينا تساؤلان: الأول، ما الذي سيفعله الكونجرس تجاه ميزانية تمويل الحرب في أفغانستان التي تتم مناقشتها هذه الأيام؟ والثاني، ما هي المواقف التي سيتخذها الأميركيون أثناء إدلائهم بأصواتهم في سلسلة الانتخابات القادمة على مدى سنتين من الآن خاصة في الانتخابات الرئاسية؟